"اليوم العماني للإيدز"

 

د. عبدالله باحجاج

ما هو وضع مرض الإيدز في بلادنا؟ لابد أن نطرح هذا التساؤل الآن دون حرج، ودون الاعتداد بأية حساسيات، وبشفافية عالية المستوى، بعد أن تكشَّف لنا واقعه المحلي والعالمي، من الناحيتين السلبية والإيجابية. السلبية؛ من حيث نسب تصاعده السنوي، والإيجابية، من حيث التطورات العلاجية لهذا المرض.. والمنظوران لم يصلا "للأسف" للأغلبية من المجتمع، كما أن الثقافة المجتمعية عن المرض نفسه، تحتم هذا الاختراق حتى نصل برسالة الوعي الاجتماعي إلى العامة وإلى المرضى خاصة، من أجل حقهم في الحياة، وتحصين السلوك الذي يشكل الضمانة الأساسية للحق في الصحة. وزمنياً هذا الاختراق الآن مناسب جدًا، فبلادنا مع دول العالم قد احتفلت في الأول من ديسمبر الحالي بيوم الإيدز العالمي، وقد شغل هذا اليوم وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية على السواء، وبينت الأرقام المخيفة عن المرض، وعن انتشاره، حيث يبلغ عدد المصابين به 37 مليون شخص في العالم، وسجلت المناطق الفقيرة مثل أفريقيا إصابات مرتفعة، فمن بين كل ثلاثة أشخاص نجد مصابين اثنين به، لكن المرض يؤثر ببلدان أوروبا الغنية أيضًا، حيث ارتفع عدد المصابين بنسبة 52% خلال عشرة أعوام. وتظل قضيتنا هنا محلية خالصة، بهدف الوصول إلى الوعي الاجتماعي العام.. وقد ارتأينا اختراقه بهذه التساؤلات المهمة جدًا.

والسؤال: هل يعرف المجتمع أن مرضى الإيدز في تزايد مقلق؟

وقد بلغت نسبة الزيادة (%6.2) للعام 2017، وتم تسجيل (135) حالة خلال هذا العام، بلغت نسبة الإناث المصابات بالمرض (24.4) أي الربع، وأكثر المصابين بالمرض ممن تتراوح أعمارهم بين (25- 40) سنة، ووصل عدد المصابين المتعايشين مع المرض العام 2015 نحو (1696) حالة، جاءت محافظتا مسقط والبريمي في المرتبتين الأولى والثانية على التوالي، وشكلتا ما مجموعه (%63) من الحالات المرضية المُتعايشة، والإحصائيات من مصادر صحفية رسمية نقلاً عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وكذلك من مصادر وزارة الصحة.

سؤال آخر: هل يعرف المجتمع مصادر الإصابة بالإيدز؟

وفقاً لتلك المصادر، فإنَّ الجنس يشكل (%65) ويرجعها البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز إلى كثرة تواصل أفراد المجتمع مع الجاليات الأخرى، وإلى كثرة السفر للدول التي يكثر فيها الإيدز، وتعد إحدى دول الجوار أكثر الدول في الشرق الأوسط التي ينتشر فيها المرض، وهذا لوحده يشكل سبباً كافياً لهذا الاختراق، مما يحملنا أمانة رسالة رفع الوعي بعد أن انفتحنا على هذه الدولة مؤخرًا بكل وسائل التواصل الممكنة، والمُتاحة للشباب.

خاصة في ضوء ما علمنا من مصادر محلية ترفض الكشف عن هويتها أن هناك أطفالا وشبابا مصابون بهذا المرض، ليس بالضرورة أن يكون عن طريق الجنس وإنما هناك أسباب أخرى تكمن في النسبة المئوية المتبقية من تلك النسبة، والتي تصنفها الدكتورة عائدة الحجري عام 2015 إلى (%5) عن طريق المخدرات، و(%5) عن طريق الانتقال من الأم إلى الطفل، و(25%) لأسباب أخرى، لم تحددها.

ونتساءل أيضًا: ماهي دلالة وأبعاد مفردة "المتعايشين"؟

قد تستوقف القارئ فيما سبق مفردة "المتعايشين" وهي تعني المرضى الذين يتلقون العلاج في مستشفيات البلاد، فمن العدد الإجمالي للمرضى، هناك (599) مريضاً بالإيدز يرفضون العلاج، لأسباب كثيرة، سنتناولها لاحقًا في أحد تساؤلات الاختراقات المُقبلة، والشيء الذي نود التأكيد عليه في هذا التساؤل المهم جدًا، أن كل حالة مرضية تمثل ثلاث حالات مرضية أخرى، وهذا قياس عالمي، يفترض علميا، أن كل مصاب أو حامل للمرض، سيوثر على ثلاثة آخرين. وهنا لنا أن نتخيل العدد الفعلي لمرضى الإيدز في بلادنا في ضوء عدد المرضى المُعلن عنه رسميا. وحتى هذا العدد الرسمي، لن يعبر عن العدد الفعلي حتى لو أضفنا إليه الحسبة الدولية، لعدة أسباب؛ من بينها: أن هناك مرضى غير معروفين، ويفضلون العلاج في الخارج على نفقتهم أو يكون مصيرهم الموت حتى يتجنبوا الوصمة الاجتماعية، كما أن هناك اعتقادا اجتماعيا خاطئا عن المرض، يقف وراء رفض المريض تلقي العلاج، وهو الموت المحتوم لمرضى الإيدز دون التعايش معه، لذلك يفضلون السرية حتى الموت، تحت دافع الخوف من الوصمة الاجتماعية، أي الرفض الاجتماعي الشديد لهم.

سؤال آخر: هل يعلم مرضى الإيدز أن مرضهم يمكن التعايش معه؟

ما يطرحه تساؤل هذا الاختراق، يشكل السبب الأساسي الدافع لفتح هذا الملف، فقضيتهم الكبرى هنا، تكمن في أنهم لا يعلمون أن بإمكانهم الآن التعايش مع هذا المرض كالأمراض الأخرى، إن حافظوا على العلاج، بل وأفضل من الكثير منها- أي الأمراض- كالسرطان مثلا الذي يدمر سريعا أجهزة المناعة والمقاومة، بينما مرض الإيدز قد أصبح بالإمكان طبيا السيطرة على تداعياته عن طريق الأدوية، وهذه حقيقة لا يعلمها الكثير من مرضى الإيدز- طبعا الأعمار بيد الله- إلا أن الطب قد أثبت الآن هذه الحقيقة، مما يعني أن مرضى الإيدز يمكن أن يعيشوا ويتعايشوا مع المرض طوال حياتهم بالحرص على تلقي العلاج، وبمدونة سلوك اجتماعية محددة، مما يعني أن حقهم في الحياة قد أصبح من المنظور الطبي متاحاً. لكن الجهل بهذا العلم جعل الكثيرين يفقدون هذا الحق سريعًا. وقد تواصلنا مع الكثير من المصادر الطبية، ميدانيا وهاتفيا، حول هذه الحقيقة "الغائبة" وكلها تؤكد على مسلمة التعايش مع مرض الإيدز.

إذن.. كيف نصل بهذه الرسالة لكل مريض، بل والمجتمع بأكمله؟ هذا التساؤل الأخير يشكل هاجس كل المؤسسات الطبية وخاصة الأطر الفاعلة التي تدير ملف الإيدز في بلادنا، فهى تكشف لنا أن هناك جهلا اجتماعيا واسع النطاق حول إمكانية هذا التعايش، ففعلا كيف نوصل رسالتها للمجتمع؟

ربما على المجتمع أولا، أن يُساعد مثل هؤلاء المرضى في التغلب على وصمة العار، فليس كل مريض يكون وراء مرضه سلوك غير أخلاقي، كما أن كل مخطئ ينبغي أن تتاح له فرصة التوبة، والعودة الاجتماعية مثل الآخرين، كالساق والراشي والمرتشي.. إلخ، فالرفض الاجتماعي الشديد لمرضى الإيدز، هو الآن رفض انتقائي، فالخارجون عن المنظومة الأخلاقية، لا يتعامل معهم بنفس هذا الموقف، لماذا؟ ربما لولا حملهم المرض، واعتقادهم بأنه مؤدٍ للموت حتميا، وأنه أي المرض معدٍ، لربما تغير الموقف، ومهما يكن، فإنِّه ينبغي أن نتيح لهم الفرصة للعودة الاجتماعية بعد تلكم التطورات الطبية الناجحة. في المقابل، لابد من تحريك كل مؤسسات الدولة الحكومية والرسمية لدواعي رفع الوعي في ضوء الزيادة السنوية لمرضى الإيدز في بلادنا، فوزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والرياضة والشباب والصحة والأندية والجامعات الخاصة.. إلخ لابد أن تضع في أولوياتها القصوى الآن، برامج التوعية من الإيدز وقاية وعلاجا، فالخوف كل الخوف من انتشار المرض بين الفئات الشبابية بصورة خاصة. ولدينا مؤشرات مقلقة. فهل وصلت رسالتنا عن مرض الإيدز في مروره السنوي الجديد؟

نتمنى الحديث عن مروره السنوي المقبل، وقد قامت كل مؤسسة، وكل فاعل بدوره في التوعية التي هي أساس الوقاية من هذا المرض، فحرام أن نترك شبابنا ضحية الجهل بالممارسات الخاطئة، وبالمستنقعات التي تستهدفهم في الداخل والخارج، وحرام ألا تصل معلومة التعايش مع المرض أسوة ببقية الأمراض لكل مريض يندب حظه الآن داخل غرفته المظلمة، اللهم اجعل في جهدنا الأثر، وارفع به الأمل، واجعله نافذة نور يشع نورها في كل قلب متحطم، فاقدا الحق في الحياة، قد استوى عنده ليله مع نهاره، واجعله اللهم سببا في حصانة شبابنا من الوقوع في براثن مثل هذه الأمراض.. فمن يساهم معنا في حمل هذه الرسالة الإنسانية بامتياز؟