عُمان مُبدعة

حاتم الطائي

أنْ تسمع عن معرض "إبداعات عُمانية" شيء، وأنْ تَدْلف من بوَّابته -هذا العام تحديدًا في نسخته الخامسة- مُتجوِّلا بين أروقته، داخل مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، شيء مُختلف تمامًا.. أفكار جميلة وثرية، وتراثٌ وطنيٌّ مُقدَّم برؤى شبابية تواكب تطوُّرات العصر، ومشروعات صغيرة ومتوسطة أبدعتها أنامل واعدة لأبنائنا وبناتنا، تلمعُ في عيونهم -وهم يُعرِّفونك بمُنجزات شركاتهم الصغيرة- نظرةَ تحقيق الذات، وتَقْرَأ في رقراقتها حجم الإرادة والإصرار على بلوغ الحُلم والهدف.. وبعد انتهاء جولتك، لا تملك سوى أن تغادر مشدوهاً بابتكارات ضخَّت بالفعل دماءً جديدة في شرايين مجالات وقطاعات اقتصادية واعدة؛ سواءً النفطي منها، أو اللوجستي، والغذائي، والسياحي، والابتكار والاقتصاد الأخضر، ومشاريع الخريجين، وتقنية المعلومات، والصناعات الحرفية، وليس انتهاءً بالأسر المنتجة.

لقد مثَّل المشهد في معرض هذا العام، بما أَفرزه من نماذج مُضيئة، ثمرةً يانعةً لجهود تُبذل منذ سنوات، وأصَّل لما وَصَل إليه قطاع ريادة الأعمال في بلادنا، بفضل ما يلقاه من دعم حكومي كبير؛ منذ المباركة السامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- لمخرجات ندوة سيح الشامخات، وما تلاها من فعاليات، تدعم اتخاذ مزيدٍ من الخطوات لتعزيز نمو هذا القطاع؛ وفي مُقدمتها توعية المجتمع كافة، وفئة الشباب على وجه الخصوص بأهمية مُبادراتهم الذاتية، ونشر ثقافة ريادة الأعمال. فأنْ يجتمع تحت سقف واحد هذا العدد الضَّخم من رواد ورائدات الأعمال، ممثلين لمُؤسساتهم الحالمة، بالتزامن مع ما يتهيَّأ لاقتصادنا الوطني، من حزم إجراءات وقرارات داعمة لرَّوادنا، ليعني في شمولية أبعاده أننا نمضي بخُطى مدروسة على طريق تمكين هذا القطاع المهم من دوره في دعم الاقتصاد الوطني، مواكَبة لما يُصطلح عليه اليوم باقتصاد العصر، أو الاقتصاد الجديد، القائم على تشجيع الإبداع والابتكار.

فما تمخَّضتْ عنه السنوات الخمس الماضية -على وجه التحديد- من اهتمام ورعاية وتسهيلات، ودَوْر لافت لكيانات حكومية داعمة -على رأسها الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة"، وصندوق الرفد، وغرفة تجارة وصناعة عُمان، والهيئة العامة للصناعات الحرفية- ببصماتهما الواضحة، والقرار الأخير الصادر عن وزارة الإسكان بتخصيص نسبة 10% من أراضي المخططات الجديدة بعقود انتفاع لاستثمارها من قبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لترسم جميعها خارطةَ تمكين جديدة لهذا القطاع، تعظِّم مردوداتها حاضنات الأعمال المنضوية تحت مظلة "ريادة"، والداعمة للأفكار الطموحة بتقديم دراسات اقتصادية سليمة لأصحابها، تشمل النواحي الفنية والإدارية بتكلفة رمزية، كما تقوم بالتنسيق مع مختلف المراكز التجارية لإيجاد منافذ تسويقية لأصحاب هذه المشاريع بأسعار مخفضة، ومع المؤسسات التعليمية لتأسيس مراكز لرواد الأعمال فيها.

وعلى الرغم من قناعتي بأن النسخ المتتابعة لمعرض "إبداعات عُمانية"، جاءت لتلبي طموحات أبناء هذا الجيل الواعد، إلا أنَّ الدافع الحقيقي للوصول إلى هذا الإنجاز -في رأيي على الأقل- هو ذاك الطموح الكبير في أن تُعزِّز أعماله من مكانة السلطنة كمركز عالمي للابتكار، ينمي القدرات، وينشر ثقافة العلم، ويرفع لواء العمل المبدع، وهو طُمُوح يُفترض معه هِمَمٌ أعلى على المستوى الجَمْعِي، يتسابق معها الكُل لوضع بصمته المتفرِّدة في مجال الابتكار؛ بما يُمهد لاستثمارات أكبر في العقول المنتجة، ويضع شروطاً جديدة للعمل الحُر، تنتج عنها مشروعات مبتكرة تخدم الإنسانية، وتنطلق معها منتوجاتنا الوطنية إلى العالم أجمع.. ولا أظن أن هناك فرصة مواتية لمباشرة ذلك أكثر من احتفائنا بهذا النجاح المُبهر المتحقَّق لمعرض هذا العام، والذي يَحْمل بشائر خَيْر على تشكُّل حاضرٍ إبداعي يترعرع فيه جيلٌ مُبادر من مبدعينا، ممَّن آمنوا بأن الابتكار هو الثروة التي لا تنضب، والأساس الذي يحتكمون إليه في رحلة استكمال مسيرة نماء الوطن.

... إنَّ الانطلاق من حَيْث ما انتهي إليه معرض "إبداعات عمانية 2017"، بفعالياته الباعثة على الأمل -من مُنتجات، ومنصة "اسأل مصنع الابتكار" الاستشارية، وتطبيق "دليلك" بخدماته المتطورة، والندوات وحلقات النقاش، والمشاركات الدولية، وتجارب النجاح، و"التعارف السريع"، وصولًا لمسابقة "تحدي الشركات الناشئة"- ليبعث بالاطمئنان على مستقبل هذا الوطن، ويمنحنا عينًا حالمة لرؤية الغد مُتجسِّدا أمامنا، فيتولَّد لدينا مزيدٌ من الثقة بقدرة هذه العقول الشابة على صُنع الفارق في مُستقبل عُمان، تكلؤهم في ذلك عَيْن الرعاية الوطنية المعزِّزة لقدرتهم التنافسية، ليكونوا مُحرِّكين أساسيين لاقتصادنا المستقبلي، ومساهمِين فاعلين في تحقيق شمولية التنمية.

وفي الأخير.. تبقى كلمات الشكر والتقدير هي المكافِئ الحقيقي لما قدَّمته "ريادة"، وغرفة تجارة وصناعة عمان، وصندوق الرفد، والصناعات الحرفية، لإطلاق وإنجاح هذه الفعالية على مَدَى سنواتها المتعاقبة، في وطنٍ رَسَم مستقبله منذ البداية على جناحي الإبداع والابتكار المستدام.