عــلي بن ســــالم كفيتـــــان
إنها مهمة استثنائية فصيد ذبابة واحدة بالطرق التقليدية يكلف الكثير من الجهد وقد تكون هناك خسائر مادية في الجوار إذا استخدمت السبوعية (رداء رجالي) ولا يجيد العملية غير المختصين في الضربات القاضية التي تطلق كلمح البصر وهم يجلسون القرفصاء بينما يكون الهدف سارحاً على ظهر الضحية مستمتعاً بدمه الدافئ.
مثلت الذبابة أدوارا مزعجة لا حدود لها في هذا المجتمع، فهي تنتقل بحرية من جسد إلى آخر، ولديها قدرات تخفٍ لا محدودة وسرعة طيران مُذهلة، تتفنن في اللعب بمشاعر ذلك النائم الفاغر فاه فتجدها مرة في منخره الأيمن ومرة في الأيسر ولا مانع من زيارة أطراف أخرى إذا كانت دون غطاء فتجد ذلك المسترخي يرقص طوال قيلولته مستخدمًا سبوعيته دون جدوى وأخيراً يقوم منزعجاً ويطلب فنجاناً من الشاي وأثناء حديثه الجانبي مع السيدة التي تخض الحليب في قربة جلدية وجد فنجانه يعج بالزوار منهم من تهور وغرق لا مجال هنا غير نقل الضحايا للخارج واحتساء ما تبقى من تلك الفوضى.
في موسم المطر تتوالد أسراب لا حدود لها وبمختلف الأحجام والأشكال فلا تتحرك دابة على الأرض نهاراً إلا عندما تخلد السيدة ذبابة لنومها في الليل يقوم ذلك الآدمي المسكين بإطلاق ماشيته لكي تتزود بشيء من العشب الطري، بينما يهرب الآخر بقطيعه إلى أطراف الصحراء أو إلى الساحل هرباً من سلطتها التي لا ترحم، ويحلم الجميع بانقشاع الضباب وجفاف الأرض أملاً في عودة النشاط مجدداً، مؤخراً تأقلمت السيدة ذبابة واخترعت وسائل تبقيها سيدة المكان بلا منازع بينما يظل صاحبنا هارباً منها ومستاءً من توسع دورة حياتها على حساب فترات نشاطه المعتادة لكنه يظل مقتنعاً بأنَّه لا حل لأزمته غير دس ماشيته في الكهوف المظلمة، واستخدام سبوعيته كمروحة للدفاع عن النفس دون جدوى.
إنَّ حركة النفور والتذمر الدائمين هذه فرضها هذا المخلوق العجيب الذي أوجد لنا إنسانا متأقلما مع الذباب، لا أدري ما هو سر هذه الهدنة الأبدية معها؟ فقد يكون من ورائها حكمة تطغى على قوة كل المبيدات الحشرية التي اخترعتها البشرية، وقد لا يعدو الأمر غباءً فطرياً متولدا مع هذا الإنسان المسكين.
معظم زوار المكان يصبحون ضحايا للدغ الذباب المتهور هذا فلا مجال للمتعة وعلى الجميع أن يصطحب معه مرهماً جلديا يعمل لبضع دقائق ثم تبدأ الملاحقة بين السائح والذبابة المتسلطة، ولا مجال إلا الهرب من الجنة التي تحرسها الذبابة إلى السهول الفسيحة أو إلى الصحراء التي لا تعترف بسلطتها، وزارة السياحة لم تستعن ببيوت خبرة للتقليل من الأضرار المترتبة على هذه الظاهرة في مجال تراجع الحركة السياحية، أما وزارتا البيئة والزراعة فتقولان إن الذبابة تلعب أدواراً جليلة في حراسة الطبيعة البكر من هوس السياح وعبثهم، ومن جشع ذلك الرعوي غير المحدود في الرعي، وهي تقوم بتنفيذ اختصاصات أصيلة للوزارتين.
رأيت في مرات كثيرة صيادا عنيدا للذباب يتأرجح بخيلاء على أغصان الأشجار، لديه وسائل عدة في رحلة صيده منها تغيير لونه السريع قبل أن تنتبه فرائسه، وأداة الصيد هي لسانه الطويلة التي يطلقها بشكل حلزوني لجلب الضحايا من الجوار، لفت انتباهي حركته البطيئة جدا مقارنةً بسرعة الذبابة، شيئان متناقضان، سبحان الخالق جلت قدرته. وهنا خطرت ببالي فكرة قد تكون مجنونة إذا نوقشت مع الرعاة والسياح المسكونين بسلطة الذبابة منذ قرون خلت في هذه المنطقة ألا وهي تربية الحرباء الهادئة الوادعة حول زرائب الماشية، وفي المواقع السياحية. مع يقيني بأن وزارتي البيئة والزراعة ستعتبران ذلك الفعل مخالفاً للقانون وستنسبان له السبب الرئيسي للتصحر الذي لم تجدا له حلاً منذ نصف قرن، بينما ستكتفي السياحة بالحياد في هذه القضية، وهنا لا مجال غير الاستعانة بمحكمة العدل الدولية لفض النزاع بين الذبابة والحرباء.
alikafetan@gmail.com