القوى العاملة .. بين اللوم والإنصاف

آمال الهرماسية

عجبًا لهذا القلم الذي كلما لامس أناملي، ارتعشت، وكلما خط حرفًا، تدفقت إثره كلمات، وكلما أنهى سطرًا،تحرك له ضمير، وتبدَّى له ألف تساؤل، وأنحنت له كل المصالح والمآرب تبجيلا وتقديرا، كيف لا وأنا أُحاسب على كل حرف تخطه يميني، فيم خطته وبأي واعز كتبته، ولأي هدف نثرته، وبأي حجة نظمته، فتلك لعمري مسؤولية لا يعيها غير كل ضمير حي، متجرد من أنانية فكره ومادية مصالحه، وضجيج استيائه، محكما في ذلك الضمير والصدق، والنزاهة، في سبيل مصلحة العامة قبل الفرد، ونشر الوعي في الجماعة قبل التنفيس عن النفس، وضمان استقرار العامة قبل الأنا والذات والخصوصية والمصلحة، والحال أن ما يعم يخص، وأن ما يخص لن يعم إلا بالحق، والحق وحده، فطوبى لمن جعل من قلمه مطية إصلاح وإرشاد وسيفا يُسلُّ من أجل الحق ولا شيء غير الحق، فالموضوعية وحدها من تجعل من العقول راجحة ومن الكلمات صادقة، ومن الأمم واثقة، آمنة، مستقرة.

كثر الحديث عن العمالة الهاربة، حتى شعرنا في بعض المواضع أن بعض أركاننا تعمل بعدائية وسبق ترصد وسوء نية لا هدف لها في ذلك غير إهانتنا والحط من قيمتنا، وياله من أمر هائل مخيف، يُحيطنا شكا ويملؤنا كراهية، وينزع من قلوبنا ذاك الشعور المطمئن بكوننا دولة مؤسسات تعمل ضمن منظومة مدروسة الخطى من أجل نماء شعب وازدهاره ورفعته في ظل عين حارسة لقائد وأب خط بثبات مسيرة واضحة جلية لا تشوبها شائبة، جعل فيها المواطن العماني الهدف والأساس، والغاية والمنى، وسخر لها رجالا يعملون في منظومة متجانسة من أجل تحقيق هذه الأهداف بدقة وفق قوانين متفق عليها دولياً وإقليميا تحفظ حقوق الطرفين من عامل وكفيل.

المتأمل في واقع الحال يرى جلياً أن وزارة القوى العاملة ليس لها يد في قضية هروب القوى العاملة الوافدة، وذلك أن السبب الحقيقي يكمن في المواطن الذي يترك في أغلب الأحيان العاملين لديه بدون عمل، الأمر الذي يدفعهم للهروب لعدم وجود مواقع عمل لهم ولا إدارة  فاعلة تلاحظ غياب هذا العامل وتتخذ في شأنه الإجراء السريع قبل شروعه في العمل في أي موقع آخر لأي سبب من الأسباب.

ومن جهة أخرى وفي غياب هذه الرقابة وعدم قدرة صاحب العمل على إيجاد التوازن بين عمله الحكومي وأعماله الخاصة فإنَّ الوزارة تبذل جهودا كبيرة في ضبط القوى العاملة الوافدة الهاربة والإحصائيات التي تقدمها فرق التفتيش شاهد على ذلك، إذ دائما ما نقرأ أسبوعياً الأعداد التي يعلن عن القبض عنها شهرياً، ونذكر هنا من باب الإنصاف أن العدد المعلن عنه مؤخرا بلغ 22000 عامل ممن تم القبض عليهم وترحيلهم في عام 2016.

السؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا لماذا نستقدم عمالة إذا لم نستطع إدارتها بالشكل الصحيح، هل يعلم القارئ أن معظم أصحاب العمل هم موظفون في القطاع العام أو الخاص ومن ثمة يطرح السؤال الثاني نفسه، من الذي يأوي ويشغل الهاربين؟ ألسنا نحن المواطنين سواء كنّا أفرادا أو أصحاب مؤسسات ؟؟؟ الحقيقة لو لم يجد العامل الهارب من يأويه ويشجعه ويشغله لما تفشت هذه الظاهرة في هذا المجتمع، إذن نحن بحاجة إلى الكثير من الوعي قبل أن نوجه سبابة الاتهام إلى الحكومة ولنتذكر أن أصبع الإبهام موجه إلينا،

وليكون حوارنا أكثر واقعية هل نريد من الحكومة أن تتكفل بترحيل العمال وبالتالي سيعمد الكثير إلى تهريب عمالهم بهدف الترحيل أم أننا نريدها أن تملأ بهم السجون وتكلف الحكومة عبء الصرف لإقامتهم وإعاشتهم وندخل الدولة في قضايا حقوق الإنسان الدولية، متاهات نحن لعمري في غنى عنها

ولذلك أجزم أن مسألة إلزام صاحب العمل بدفع مقابل تذكرة السفر عند الإبلاغ عن هروب عامله وأساسه نصوص قانون العمل الذي يلزمه بإعادة العامل إلى بلده وفق شروط التعاقد، إذا لم يتم ضبطه يعمل لدى الغير، وفي حالة ضبطه يعمل لدى الغير يلزم الطرف المشغل بإعادته إلى بلده ويعاد مبلغ التذكرة لصاحب العمل الأصلي. كما يلزم الطرف المشغل العامل الهارب والمخالف كذلك بغرامة مالية تصل إلى ٢٠٠٠ ريال.

وكذلك العامل الهارب لم يسلم هو أيضا من العقاب حيث يتم حبسه وتغريمه مبلغاً يصل إلى ٨٠٠ ريال ومنعه من دخول البلاد مطلقاً.

عليه يبدو لي أن اللائم  صدح بما سمع دون أن يقرأ القوانين والأنظمة، إذ إنه ينبغي على أصحاب العمل من باب المهنية أن يسألوا عن القوانين والأنظمة الموجودة بالبلد في هذا الشأن وفي مقدمتها قانون العمال العُماني الذي صنف بابا خاصا للعقوبات والمخالفات العمالية والدليل في تطبيق ذلك ماينشر ونقرأه من إحصائيات وأرقام عن المخالفين والهاربين والمسرحين أسبوعيا وشهريا وسنويا . 

ختاما.. نرى أنه حان الوقت للكثير من أصحاب العمل ليتفرغوا لعملهم بأنفسهم وألا يعتمدوا على الوافد لإدارته وكذلك على المجتمع أن يتحمل الجزء الذي يعنيه من المسؤولية في هذا الشأن وأقلها عدم إيواء أو تشغيل الهاربين، الأمر الذي سيُساهم ويحد من هذه المشكلة إن لم تختفِ. ففي النهاية نحن كلنا نعمل ضمن منظومة واحدة بالتكاتف لا بالعداء وبالتعاون لا بالاتهام وبالوعي لا بالجهالة، وبالمسؤولية لا برمي الخطأ على الآخرين، بهذا وحده نحقق التنمية المنشودة والرفاه والاستقرار الاقتصادي الذي هو منشودنا وغاية مساعينا.

تثقيف ووعي وصحوة ضمير، وحسن نوايا، هكذا هي عمان في عهد قابوس الأبي وهكذا ستظل، كما أراد لها عاهل البلاد المفدى، وكما قطعنا على أنفسنا عهدا بالسير على خطاه ثابتين متحابين ومتضافري الجهود من أجل رفعة هذا البلد الآمن.