الاقتصاد الدولي "مُعرض لصدمة غير متوقعة" مع التراكم الكبير للديون منذ الأزمة المالية

"QNB": تدني الإنتاجية وارتفاع المخاطر يهددان استدامة الانتعاش في النمو العالمي

 

الرؤية - خاص

يرى التقرير الأسبوعي لمجموعة بنك قطر الوطني "QNB" أن استدامة انتعاش النمو الاقتصادي العالمي يهددها تدني الإنتاجية وارتفاع المخاطر المرتبطة بالاستقرار المالي.

وقال التقرير إن صندوق النقد الدولي قام في وقت سابق من هذا الشهر برفع توقعاته لمستقبل الاقتصاد العالمي؛ إذ يتوقع الآن أن يبلغ النمو العالمي 3.6 في المئة في عام 2017، أي بزيادة طفيفة عن توقعاته السابقة البالغة 3.5 في المئة، وأعلى من النمو المتحقق في العام 2016 والبالغ 3.2 في المئة. ومن بين العوامل الرئيسية الدافعة لهذا النمو -الذي يتوقع له الآن أن يكون أعلى معدل نمو عالمي منذ عام 2014: انتعاش التجارة الدولية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتيسير السياسة النقدية.

لكن التقرير يتساءل: هل بالإمكان استدامة هذا الانتعاش في النمو العالمي؟ ويرد التقرير قائلا إن صندوق النقد الدولي يبدو أنه يعتقد ذلك؛ حيث يقدَّر أن يرتفع متوسط النمو العالمي إلى 3.7 في المئة حتى 2020. غير أن تقرير بنك قطر الوطني أقل تفاؤلاً. فبالرغم من التحسن الملموس الذي طرأ مؤخراً على الاقتصاد العالمي، لا تزال هناك معوقات كبيرة للنمو العالمي لا يتوقع لها أن تتلاشى بسهولة. ويبرز من بين هذه المعوقات اثنان على وجه الخصوص: تدني الإنتاجية على مستوى العالم وارتفاع المخاطر على الاستقرار المالي.

وشهد نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة اتجاهاً نزولياً منذ الفترة السابقة للأزمة المالية، ولكنه تباطأ بشكل كبير جداً في السنوات الأخيرة. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، بلغ متوسط النمو في الإنتاج الحقيقي للفرد- وهو المقياس الرئيسي للإنتاجية- 0.5 في المئة فقط خلال الفترة 2012-2016 مقارنة مع نسبة 2.8 في المئة خلال الفترة 2000-2007. وتعدّ عوامل تزايد نسبة المسنين بين السكان، وتباطؤ الاستثمار، وضآلة نمو المبتكرات التكنولوجية الإحلالية، وتباطؤ وتيرة نمو التجارة العالمية، من بين العوامل الرئيسية للاتجاه النزولي. وبينما حدث انتعاش في الاستثمارات والتجارة في عام 2017، إلا أن هذا الانتعاش لا يزال دون معدلات النمو التاريخية وأقل من المستويات اللازمة لتحفيز نمو أعلى في الإنتاجية.

وبغض النظر عن أسبابه، فإن لتراجع الإنتاجية انعكاسات خطيرة على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي. ففي حال عدم ارتفاع مردودية العمال سيتباطأ الإنتاج؛ مما سيؤدي بدوره إلى زيادة التأثير على النمو من خلال تراجع الأجور وانخفاض الاستهلاك. ومن غير الواضح، حالياً، كيف سيتم إيقاف هذا الاتجاه الذي يسير فيه الاقتصاد العالمي دون تحفيز المزيد من الاستثمارات وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا والتخصص. لقد ظلت جهود الحكومات لتعزيز النمو من خلال زيادة الإنفاق وتخفيف الضرائب غير كافية سواء من حيث الحجم أو النطاق وذلك لافتقارها للقدرات المالية والمعرفة العملية لاستهداف قطاعات محددة بشكل فعال وتصحيح مشكلة تراجع الإنتاجية.

والمجال الثاني للمعوقات المحتملة على استدامة النمو العالمي، يتمثل في ارتفاع المخاطر التي تواجه الاستقرار المالي، وهو ما يجعل الاقتصاد العالمي معرضاً لصدمة غير متوقعة. ونعني بذلك بالتحديد ذلك التراكم الكبير للديون منذ الأزمة المالية. فقد بلغ مستوى الديون المتراكمة لدى مجموعة العشرين مجتمعة ما يفوق 220 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي بزيادة 40 نقطة مئوية منذ عام 2007. إن هذا المستوى المرتفع للديون يجعل الاقتصاد العالمي معرضاً لصدمة في الطلب، كأن تحدث أزمة مصرفية في أوربا أو كارثة جيوسياسية كبيرة. ويمكن لذلك أن يُصعب عملية إعادة سداد الديون ويرفع عائدات السندات ويقود إلى تدهور كبير في المزاج الاستثماري، وهو ما سيؤدي بدوره إلى خفض النمو العالمي. ولكن الأمر الأهم المختلف هذه المرة والذي سيحول دون حدوث تعاف سريع هو محدودية قدرة الحكومات والبنوك المركزية على الاستجابة. فالحيز المالي لا يزال ضيقاً في أعقاب الأزمة وأسعار الفائدة تحوم حول مستويات الحد الأدنى القريبة من الصفر، وهو ما يحد من قدرة السلطات على المناورة. وبالتالي، فإنه حتى وإن لم تكن الصدمة بنفس عمق الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، فإن عملية تحقيق التعافي لضبط معدلات النمو ستكون أكثر صعوبة.

ولكن حتى في حال عدم وقوع أزمة كبرى، فإن من المرجح أن يستمر صناع السياسة حول العالم في فرض تدابير تهدف إلى الحد من المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، وهذه التدابير نفسها ستؤثر سلباً على النمو العالمي. ويعد التشديد التدريجي والممنهج للسياسة النقدية الذي يجري حالياً في الولايات المتحدة أحد الأمثلة على ذلك. وفي نهاية المطاف، سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تقليل محفزات الاقتراض، ولكنه سيقلل أيضاً من محفزات الشركات لتوسيع نطاق الإنتاج.

ولسوء الحظ، لا توجد حلول سهلة ونحن لسنا متفائلين بشأن استدامة معدلات النمو العالمي الحالية على المدى المتوسط نظراً لتأثير المعوقات التي سلف ذكرها. فتدني الإنتاجية يستوجب إجراء إصلاحات أعمق في سوق العمل وزيادة الاستثمار بدرجة أكبر. ويمكن للتنفيذ الفعلي للتحفيز المالي الكبير الذي وعدت به بعض الاقتصادات المتقدمة العام الماضي أن يدعم ذلك. أما فيما يتعلق بالاستقرار المالي، فإن المهمة الشاقة المتمثلة في خفض الاعتماد على الديون هي الحل الحقيقي الوحيد، ولكن القيام بذلك دون التأثير سلباً على النمو العالمي قد يكون أمراً صعباً.

تعليق عبر الفيس بوك