نحو مدارس مُنتجة

 

زينب الغريبية

حدثني زميل لي عن ظواهر شاهدها في بعض المدارس أثناء زيارته لها؛ حيث تسلك المدرسة مسلك الإنتاجية والاندماج في المجتمع المحلي المحيط؛ فيقول كان في زيارة لإحدى مدارس منطقة الداخلية للإناث، وقد تبنت المدرسة مشروعا يقوم على استغلال وجود قاعة مغلقة للرياضة المدرسية، بأن تحول هذه القاعة إلى نادٍ رياضي، بتوفير أجهزة الرياضة البدنية وأجهزة القاعة بالكامل كـ"جيم" لتغطي نقصَ وجود نادٍ رياضي للسيدات في المجتمع المحيط، وحاجة السيدات لممارسة الرياضة في مكان مغلق مناسب لوضعهن الاجتماعي.

بالطبع كان المطلوب اشتراك السيدات من المجتمع المحيط -طالبات ووليات أمر ونساء المجتمع الأخريات- بحيث وضعت تعرفة معينة تتقاضاها المدرسة شهريا أو سنويا حسب العروض التي وضعت، وتكون الرياضة بإشراف معلمات التربية الرياضبة في المدرسة، لم تكن النتيجة حسبما توقعت إدارة المدرسة والمعلمات المنظمات، بل فاقت التوقعات، فقد بلغت الاشتراكات نسبة ممتازة، وأصبحت القاعة الرياضية مقصد نساء المجتمع المحيط بالمدرسة، وأصبحت القاعة مصدر دعم ثابت ومرتفع للمدرسة وتطويرها. فهي تُدخل شهريا مبلغا ممتازا جدا لتطوير المدرسة، دون الاعتماد على الدعم الحكومي المستمر، والذي يتناقص يوما بعد يوم بسبب الأزمات الاقتصادية المحيطة.

ومدرسة أخرى في المحافظة ذاتها، لكنها للذكور، قاموا بتطبيق دورة تنمية اللغة الإنجليزية في الإجازة الصيفية، على أن يدفع كل طالب 50 ريالا عمانيا لفترة شهر ونصف الشهر، يقوم بتقديم الدورة معلمو اللغة الإنجليزية تبرعا منهم لتحقيق مورد للمدرسة يسهم في شراء حاجيات أساسية للطلاب والمعلمين في المدرسة، وبالفعل اشترك في الدورة 200 شخص من طلاب المدرسة ومن المجتمع المحيط، بما حقق ربحا يعادل 10.000 ريال عماني، استطاع المدير والمعلمون تطوير وشراء مكتبة داخل كل صف دراسي خاص بمرحلة كل صف، وشراء ثلاجة ماء خاصة داخل كل صف، وغيرها من التجهيزات.

ومدرسة ثالثة للحلقة الأولى، قام مجلس الأمهات بفعالية بيع منتجات من صناعة نساء المجتمع، من منسوجات ومشغولات يدوية وحلويات وأنواع من الأكلات الشعبية والعربية، وألعاب للأطفال، بحيث وضعن طاولات للإيجار تقوم نساء المجتمع المحيط بدفع أجرة لبيع منتوجاتهن لفترة أسبوع في بداية العام الدارسي للعام الماضي، ومن دخل المعرض هذا قُمن بشراء سيارة أطفال من الحجم الكبير وبيت ألعاب للبنات، ووضعنها في منطقة ظاهرة مظللة أمام الأطفال، مزينة ومثبتة، على أن يحصل على السيارة والبيت أفضل طالب وأفضل طالبة، التزما بالسلوكيات والأخلاق والتحصيل الدراسي؛ مما يجعل الطلاب في تنافس طوال العام والالتزام بالقواعد والسلوكيات.

أفكار بسيطة ولكن تطويرها والسعي في تنفيذها، جعل من المدرسة منتجة مستقلة، قادرة على تحمل مسؤولية تطوير ذاتها وإمكاناتها من ناحية، ومندمجة في المجتمع المحلي من جهة أخرى، فلا ينتهي دورها في المجتمع بانتهاء اليوم الدارسي أو العام الدراسي، بتعليم الطلاب المناهج المقررة، كما أن مثل هذه الأفكار والتطبيقات تعلم الطالب الذي تربى في مثل هذه الأجواء الإنتاجية أن يكون منتجا مستقلا، قادرا على استغلال الإمكانات البسيطة الممنوحة له ليصنع منها دخلا له يحقق له الحياة الكريمة، بل ويبتكر الأفكار ليطور منها أعمالا أكبر، نافعا بها المجتمع، وصانعا لنفسه الحياة.

وهذا ما طبَّقه جوليوس نايريري عندما تولى رئاسة تانزانيا في الجزء الأول من النصف الثاني للقرن العشرين، حيث وجد الطلاب يُلقَّنون العلم وهم مستقبلين فقط، أوقف هذا الوضع وقرر إدماج المدرسة في المجتمع، وجعل هؤلاء الأطفال يتعلمون وهم يعملون وينتجون، فمن وجهة نظره المدرسة لابد أن تكون كبقية المؤسسات منتجة وفعالة في المجتمع، فلِمَ لا يُسهم الطلاب في مجتمعهم الفقير بما يستطيعون، ويكونون منتجين معتمدين على أنفسهم؟!

فقد ربط المدارس بالمزارع؛ بحيث يخرج الطالب في وقت معين يذهب للمزرعة، يطبق شيئا مما تعلمه، ويساعد في عمليات الزراعة، فيكون منتجا، قادرا على الاعتماد على نفسه، فيخرج للمجتمع طالبا إيجابيا، تربَّى على قيمة العمل، وحقق العلم والعمل ونمت شخصيته منذ فترة مبكرة في حياته.

بالفعل لم توجد المدرسة لتصنع طلابا عالة على المجتمع، ولا لتلقين العلم وحشوه في عقول الطلاب، فهي من المفترض أن تكون نبراسا يضيء المجتمع، ويبث الحياة، ندمج العلم بالتطبيق والعمل، لنخرج عقول الأبناء من ضيق الأفق إلى رحابته، لنصنع منه مواطنا منتجا، نصنع عقولا مرتبطة بسواعد بناء لتكتمل بذلك الشخصية المنتجة الفاعلة في المجتمع.