شباب مبدعون.. باحثون عن عمل

 

زينب الغريبية

عندما نتابع وسائل التواصل الاجتماعي، نجد العشرات من الشباب المبدعين في التمثيل والغناء والتصميم والرسم والإخراج والمونتاج والمفكرين والكتّاب والقرّاء والنقّاد والحرفيين والمخترعين وغيرهم. شباب يحملون من الفكر ما هو متجدد، ويسيطرون على شرائح عدة في المجتمع، يؤثرون في الشباب ويوجهونهم.

وقد يكون مثل هؤلاء الشباب المهرة لا يحملون شهادات، أو أنّهم يحملون شهادات لا يطلبها سوق العمل، أو أنّ سوق العمل متشبع بكوادر أدت ما عليها في زمن كان ما لديها يناسب الفكر السائد ويناسب مستوى المتلقين، وعلينا أن نعي بأنّ لكل زمن شبابه، فهم أدرى باحتياجاته، فلنقم بما علينا في زمننا، ونترك كل زمن لشبابه.

ولكن إن تمسكنا بما لدينا، وأغلقنا آذاننا عن صوت الشباب، وركّزنا على ما يحملون من شهادة، دون الاعتناء بما يحملون من مهارة وهمّة ونشاط، وحب في التغيير، فإنّ واقعنا سيكون بأن إعلامنا ليس في المستوى المطلوب، أداء مؤسساتنا ليس بالمستوى المطلوب، توجهات مؤسساتنا وقراراتها ليست بالمستوى المطلوب، ويبقى الحال كما هو، ونتلقى النقد اللاذع من المجتمع، ولا صدى لصوت يطالب بالتغيير، وحين تصبح عدم القدرة على التطوير والتغيير واقعا نصاب بشعور العجز المغلف بالمكابرة على أننا مهما قدمنا فإن المجتمع لا يرضى.

لست مع رمي الخبرات التي تعلّمت الكثير عبر الزمن، ولكنّي مع التجديد وإعطاء الفرص لمن هو قادم بحماس الشباب، مع أن يأخذ الصغير الخبرة من الكبير، ويمزجها بمعطيات العصر ومتطلباته حتى يتوافق ما نقدمه مع ما هو مطلوب، فكل جيل يعي تمامًا ما هو مناسب لجيله، وما هو المستوى الذي يرضي جيله، فحين يتحمّل المسؤولية ويوجه للمسار الصحيح سيصبح منتجًا فاعلا، يحدث التغيير بالأسلوب الإيجابي. فنحن نحتويهم لينتجوا ويصنعوا المجتمع.

كثيرا ما تحدثت لمثل هؤلاء الشباب، لما لا تلتحقون بالجهة المناسبة لمهاراتك، وتأتي الإجابات المختلفة، والتي تصب في نفس المسار، فمنهم من يقول: هم لا يفتحون المجال لكل من عنده الموهبة والإمكانية في التطوير، ومنهم القائل: لا أحب الدخول في المجال المؤسساتي الرسمي؛ فهو يقيدني ولن أستطيع تقديم كل ما لديّ، وبالطريقة التي أحب، ومنهم من يقول: الدائرة مغلقة، فكيف لي فتح شفرتها، وقائل آخر: هم لا يحبون التطوير، فلندعهم على حالهم، فنحن لنا مجالنا.

إذن.. فشعور الشباب هذا يحدث توجها عكسيا، لما تقدمه المؤسسات للمجتمع، من الممكن أن يبثوه عبر قنواتهم في وسائط التواصل المجتمع، ليحدث بذلك الشرخ الواضح حاليا، إعلام رسمي وإعلام شعبي، ومن الواضح أي الفريقين أقوى؟! ألم نسأل أنفسنا لماذا هو أقوى؟ ولِمَ الرسمي لا يخدم الشعب بالمستوى المطلوب؟ ولمَ نحدث هذا الحاجز؟ ونحن باستطاعتنا المزج دون المساس بالتوجه العام، ولكن على العكس السعي لإيجاد ملتقى طرق يحدث الوفاق والهدف الأسمى الذي يسعى من أجله الجميع.

فهل نعتقد أنّ الشباب يكتفون بلجان باسمهم ولكنّها لا تفيدهم بشيء سوى إقامة ندوات، وطباعة عدد قد لا يذكر من الكتب، وإقامة مسابقات تنتهي فعاليتها بإظهار النتائج وإعلان الفائز ليأخذ جائزته ويتوجه إلى بيته علّه يجد لنفسه سبيلا؛ فما يحتاجه الشباب ليصنعوا المجتمع هو وضعهم محل المسؤولية، وفق ما يملك كل منهم من مهارة، ولا نضع لهم الحدود ولا العقبات، حتى لا نخنق الإبداع، ويقيّم كل منهم بإنتاجه وما يقدّمه، ومقدار ما يطوّر به نفسه ليستمر في تقديم الأفضل، حينها سنرى بالفعل ما يمكن أن يقدمه هؤلاء الشباب.

حينها أستطيع أن أجزم بأننا لن نسمع إلا أنّ إعلامنا رائع، وجاذب، ويجذب مشاهدات كثيرة، رسالتي لكل من يستطيع تحريك ساكن في هذا الموضوع، أن أطلقوا العنان، وافتحوا الأبواب للشباب، واعطوهم الثقة ومساحة كافية من الحرية، وسترون كيف أنّ إعلامنا سيعتبر مصدر دخل مساهم في الناتج المحلي، هم قادرون وأنتم قادرون، وعندما تلتقي المصالح نحو تحقيق ما نطمح إليه سنصبح أفضل حالا.

لابد أن نصل إلى يقين، بأنّه لولا تجدد الخلايا لما نما الجسم، ولولا التغذية المتجددة لما نما الجسم، ولولا إدخال الجديد من المعرفة باستمرار على العقل البشري لما نما وكبر وأنتج، ولو لم نرض بالجديد سنصبح دائما في مؤخرة الركب، ولو رفضنا كل ما هو جديد لكنا اليوم نعيش في بيت الشعر، ونشرب من الجحلة الفخارية، وننام على الحصير، ونتنقل بالجمال والحمير، فلا يمكننا أن نقف على ما نحن عليه الآن ونكتفي، فهناك الجديد ينتظرنا، وإن لم نتحرك نحوه فلن يأتينا، وسواعد الشباب هي الأقوى لجلبه وغرسه، حتى يستطيعوا بقوة أن يسلموا الدور لمن يأتي خلفهم.