من المسؤول؟!

سعود الفارسي

من المسلمات ومن المبادئ المستقر عليها في أي دولة من دول المؤسسات والقانون في العالم عدم ترك الأمور للحظ والصدف، بل تعمل تلك الدول وتعمد لضمان جعل جميع الأمور منظمة تنظيماً واضحاً ودقيقاً بموجب الأنظمة والقوانين؛ حيث يتم إسناد الاختصاصات للجهات المختلفة كل حسب اختصاصها، وفي داخل كل مؤسسة يتم توزيع الاختصاصات بين الموظفين والمسؤولين بشكل دقيق وواضح؛ بحيث يعرف كل منهم اختصاصات عمله بدقة ووضوح ليحرص على أداء واجباته على أدق وجه، متحملاً بالمقابل المسؤولية عن أي قصور أو خلل أو إهمال في أداء ذلك العمل. وعليه، فإذا ما كان هنالك قصور أو إخفاق في أداء العمل أو تحقيق الأهداف، أو عند وجود مشاكل أو عيوب إدارية، فإن ذلك الموظف أو المسؤول تتم محاسبته، لذلك كثيراً ما نرى ونقرأ أن كثيراً من المسؤولين في كثير من دول العالم يقدمون للمحاكمات، ومنهم من يتم سجنه، ومنهم من يتم عزله، ومنهم حتى من يجبر على القيام بخدمات مجتمعية! وفي ظل ما أراه هناك ومقارنته بما أراه في واقعنا تتبادر إلى ذهني مجموعة كبيرة من التساؤلات، يمكن اختصارها في المشاهد التالية:

المشهد الأول

جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- تحدث منذ سنوات طويلة جدًّا عن موضوع النفط، وأنه مصدر ناضب من الخطورة بمكان الاعتماد عليه كمصدر وحيد وأساسي لدخل البلاد، وشدد على ضرورة وأهمية العمل بسرعة لإيجاد مصادر دخل إضافية في سبيل تنويع تلك المصادر ما من شأنه الحفاظ على وضع الدولة الاقتصادي من تلقبات أسعار النفط العالمية، ومن باب أولى حفظ الدولة من ساعة نضوب النفط وضمان مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة! وها هي عشرات السنوات انقضت على ذلك الحديث الذي استشرف فيه جلالته المستقبل بصورة واقعية جدًّا، دون أن يتحقق ما تحدث عنه جلالته! فمن المسؤول يا تُرى عن ذلك؟!

المشهد الثاني

في العام 2013م، عقدت ندوة ضخمة جداً بسيح الشامخات، تناولت موضوع تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بحضور كبار أصحاب المعالي الوزراء والمسؤولين والموظفين والخبراء والتجار ورواد الأعمال وأعضاء البرلمان وممثلين عن القطاع الخاص وغيرهم الكثير، وقد صرف على تلك الندوة مبالغ ضخمة خيالية، وخرجت تلك الندوة بتوصيات تمت مباركتها من المقام السامي، وبعد مرور سنتين تقريبا على تلك الندوة وتحديدا في العام 2015م عقدت ندوة أخرى لتقييم تنفيذ قرارات سيح الشامخات، واشترك فيها كذلك كبار المسؤولين بالدولة وبمشاركة أكثر من ألفي مشارك، خرجت هذه الندوة بـ"نتائج" كثيرة على وصف القائمين عليها، تلك النتائج التي لا يزال أغلبها "كلام على ورق"! لذلك عقد اجتماع آخر مؤخراً لبحث تراجع آليات تطبيق مخرجات ندوة تقييم تنفيذ قرارات سيح الشامخات! أعتذر على طول المسمى، ولكنه هكذا ورد في الخبر المنشور بجريدة "الرؤية"! والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني في هذا المقام كإنسان بسيط جداً: أين ذهبت تلك "النتائج" التي خرجت من الندوتين السابقتين؟ ومن كان المسؤول عن تطبيقها؟! بل من المسؤول الآن عن عدم تطبيقها! وكم من اجتماع سيعقد وكم من ندوة جديدة يا ترى نحتاج حتى ترى تلك "النتائج" النور! طبعاً مع تحفظي على مصطلح "النتائج" كون ما يتحدثون عنه هو مجرد نقاط موضوعة على الورق لم تُترجم بعد كنتائج على أرض الواقع.

 

المشهد الثالث

قبل العام 2011م، كانت مشكلة الباحثين عن عمل من أخطر المشكلات التي كانت تواجه الوطن؛ حيث بلغ عدد الباحثين أرقاما قياسية كبيرة؛ لذلك صدرت الأوامر السامية بتوظيف عشرات الآلاف من المواطنين في جميع الجهات بالدولة، مدنية وعسكرية وقطاع خاص، وفي نفس الوقت قامت الدولة برفع سقف السعة الاستيعابية بمؤسسات التعليم العالي المختلفة، فبعد أن كانت تلك المؤسسات تستوعب أعداداً بسيطة من خريجي الثانوية "أو ما يسمى بالثاني عشر" أصبحت تلك المؤسسات تستوعب الآلاف منهم؛ وذلك بالإضافة لازدياد عدد البعثات الداخلية والخارجية بالسلطنة، وهو أمر رائع جدًّا طبعاً، ولكن الشيء الغريب الذي يدعو للتعجب، هو عدم العمل منذ ذلك الحين على تهيئة السوق لخلق فرص عمل ووظائف لأولئك الطلاب بعد إنهائهم الدراسة! فمن المفترض ومن الطبيعي أن يتزامن مع تلك الزيادة في عدد مقاعد الدراسات العليا العمل على تطوير الاقتصاد وتهيئة السوق، بما يضمن جاهزيته لاستيعاب الكم الأكبر من أولئك الطلاب بعد التخرج وهو ما لم يتم للأسف! وهو الأمر الذي إذا دل فإنما يدل على اتباع نظرية "على البركة"!! وكأنه لم يسبق لنا وأن عانينا من مشكلة تكدس الباحثين عن عمل من قبل! وكأننا لم نخض تلك التجربة سابقاً! وكأننا لم نتعلم من الدروس العملية والمعاناة التي عاناها الوطن! والسؤال الذي يرواد مخيلتي هنا: أولم يكن هنالك تنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وباقي الجهات المختصة بالدولة كالقوى العاملة وغيرها لوضع إستراتيجية واضحة تضمن عدم وصولنا لمفترق الطرق هذا! هل كان من اللازم الانتظار لحين أن يرفع الخريجون أصواتهم بالصراخ لطلب وظيفة أو فرص عمل! لنتفاجأ بعودة هذه المشكلة على السطح من جديد يا ترى؟! من المسؤول عن هذه الحال التي وصل إليها الوطن؟!

هذه أمثلة بسيطة جدًّا من مئات الأمثلة التي تدور في رأسي، والتي أستطيع أن أؤلف عنها مجلدات! فحقيقة من حقي أن أتساءل: أوليس هناك جهات يتوجب مساءلتها عند وقوع مشكلة في نطاق اختصاصها! إلى متى ستظل مسؤولية التقصير والإخفاق وخلق المشكلات -التي تودي بنا إلى منعطفات كثيرة من ناحية، وترفع نسبة الاحتقان لدى المواطنين من ناحية أخرى- متروكة على الشيوع؟!!!

تعليق عبر الفيس بوك