قصص قصيرة:

مرآة ولوحة وعيد سعيد

هالة عبادي – سوريا


........................
(1)    هي والمرآة
عبثاً حاولت المقاومة ... لكنها وجدت نفسها تستعيد حواره، ما الذي فعلته بها كلماته، إنها تلامس شيئاً ما فيها، شيئاً داخلياً خاصاً جداً، وفي الوقت نفسه لم ترتسم أبعاده بعد، ولم يتضح لها أنه سينتهي خارجياً عاماً، وأنه سيصبح سمةً لها والصبغة التي ستصبغ حديثها كتاباتها وكل حياتها.
جلست بمعزلٍ عن الجميع، تقلب كلمات محادثةٍ ليست بالطويلة معه، إنها مسألة وجودٍ بلا شك لكن هل لها أن تستعير جواً آخر غير الذي ألفته لوجودها وأن تبتعد عما اعتقدته مضموناً لها.
كيف تبدو عاريةً أمام المرآة؟
وكيف يمكن لجسدها أن يكون الوحي الملهم؟
لم تحاول ولم تهتم يوماً بالإجابة على مثل هذا السؤال... لكنها الآن خارجةً عن حدود رؤاها وبدون أي تفسير تقف عاريةً أمام المرآة وقد أطفأت الأنوار الحمراء لكل ماعرفته من قبل وتركت الضوء الأخضر للحرية ساطعاً أمام احتمالات العرض دون حدود...
كانت مسرحيةً على بساطة شكلها صعبة القراءة والتمثيل، مسرحية هي والمرآة بطلاها، وكان أصعب وأخطر نقطة فيها هي تبادل الأدوار، وربما بسبب ذلك نامت راضيةً عن نفسها تلك الليلة.

(2)     أمام اللوحة
اقتربت منه كثيراً ثم أسندت رأسها على كتفه وقالت: أعتقد أنك جعلت الألوان قاتمة بعض الشيء... أم كان هذا بفعل المطر؟
كانت فخورة به، لديها اعتزاز جميل ورقيق في رؤيته أمام لوحاته، رغم القلق الذي تظهره رؤية عيناها السريعتان لتأثير هذه اللوحات في الغرباء.
قالت وهي تنظر من فوق كتفه، إن شكلك وطريقة وقوفك رائعان جداً... وابتعدت عنه للحظة لا أكثر، كانت قد تظاهرت بقطف بعض الورود حين التفت إليها ليقول: أعتقد أنني نجحت كثيراً في رسمك...
مضت إلى الداخل مبتهجة سعيدة، تركت المحادثة تتدفق فيها بلطف وهدوء، كان هناك الكثير من الأسئلة التي تمنت لو تعرف الإجابة عليها، لكنها فضلت عليها تلك المحادثة المرتجلة، وأحست أنها دافئة كثيراً وعطرة، نظرت إلى الشمس التي بدت هي الأخرى رائعة بلونها الذهبي المنعكس على الأشياء، انتزعتها غمرة من المتعة والكمال من قلقها، فجلست للتمتع بها وبالمعنى الخفي لهذه المحادثة، لقد تعارفا بشكل رائع قبل ذلك في مناسبة يبدو من الأهمية الآن أن تذكرها، بدت امرأة راقية جميلة جداً، كان سعيداً بكل شيء ومبتهجاً لموافقتها على فكرة أن يرسمها، أسعدها أنها موضع إعجاب من اطرائه، شعرت أن غيمة رقيقة حالت بينها وبين الشمس،  استمتعت بهذا، بل لقد كانت بالمزاج الأكثر فرحاً في الوجود كله، وإذا كان ثمة ما تحبه فهي تلك البقعة التي تجمعها به (أمام اللوحة ), كان في حالة من السكون الصافي وهي ترنو بنظرها إليه، فعادت إليه قبل أن تفقد تلك الأحاسيس الرقيقة ملامحها.
(3)    عيد ميلاد سعيد
عارفة... أغنية مترفة.... مشبعة بالذكريات، ولأني أستمتع جداً بتلك الذكريات... يستهويني أن أعيشها بشكل خرافي أعيشها حباً، تضحك!!
ليس ذاك الحب الذي كان يقتلني إنها تعود به ليحييني... تحملني موسيقاها إلى عوالم سحرية دافئة عميقة ناعمة وهادئة كقلبك تماماً... تنقلني إلى حيث العالم حقول ورد وأنا وأنت فراشتان ... تودعني عند الفجر... أتساءل ويضحكني السؤال أثمة تزاوج بين الفراشات؟
تزيد من تعلقي بك وأنت تقول: ستولدين من جديد على يدي...
 أحس بعاطفة جميلة.
عازفٌ يحتل ركنه في صالة المطعم، شمعتان ووردةٌ حمراء وحيدة، وأنا وأنت، طاولةٌ صغيرة وحلمٌ يتسع للكون بأكمله، الثواني عمر يطول والنبض حكايا، وحدها أصابعنا من كانت تجيد التعبير في هذا الزحام... في مطعمنا القديم أحتفل مع ذات العدد من الأصدقاء... يعاودني السؤال بعد كل هذا الغياب...
أي سر هذا الذي يشدني إليك، كثيرون هم من حولي، ولكن... وحدك معي، وحدك تملأ عيوني، ومعك وحدك صمتي وحديثي.
بدونك أشعر أني ناقصة كطفل أفلت يد أبيه وسط الزحام أحتاج يدك كي أعبر... أحتاجك .
ترى لو كنا الآن معاً أكان ممكناً أن أحبك أكثر... لا أتصور.
إنه عيد ميلادي أرسم بإتقان ضحكة جميلة وأنظر في وجوههم متجنبة فكرة الحديث عنك.
يتحلقون حولي يجبرونني على الرقص ويعلو صوتهم بالغناء... أتمايل مع الموسيقى وأرفع رأسي كثيراً إخفاء للدموع.
يعلو التصفيق... قريبٌ أنت... أشعر بك... أحس بأنفاسك تقترب... أكون أمام خيارين.
تضمني... أنفاسك الحارقة تلفني... أدرك كم تشتاقني... وأصبح أمام خيارٌ وحيد.

تعليق عبر الفيس بوك