الاستثمار الرياضي الناجح .. موناكو أنموذجا

 

حسين بن علي الغافري

صدق من قال بأنَّ المال وحده لا يُمكنهُ أن يصّنع المجد، ولكنه وسيلة لا غنى عنها في هذه الصناعة. وقد قال آخر: إذا كان الرأي عند من لا يُقّبل منه، والمال عند من لا يُنفقه … ضاعت الأمور. أي بمعنى آخر أنّ المال وحده ليس كُل شيء .. التخطيط والفهم الجيد مطلب لا يكتمل إلا بحُضوره. وفي شتى مجالات الحياة العامة باتت لغة المال وقوداً للحركة والبناء، والرياضة ليست ببعيدة عن هذه اللغة، فقد ضُخّتْ الإمكانيات المادية في كُل شرايينها. وتغلل الاستثمار في أدق تفاصيلها. ولهذا تنوعت أبواب الاستثمار النشطة في عصرنا الحالي ولا زالت تتضاعف؛ وإلا لما شاهدنا الكرة ونجومها في السوق الكروية خلال الصيف الماضي بأسعار فلكية تتهافت على ضمها كبار أندية القارة العجوز. باختصار فلقد أصبح المال مُحرك كُل الرياضات وركيزة جوهرية في الربح.

من بين النماذج الحيَّة التي جذبت العالم في كيفية الاستثمار الناجح نموذج نادي الإمارة الفرنسية موناكو. النادي المملوك بنسبة كبيرة للملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف وكان قد اشتراه في 2011 وأصبح من أكثر الأندية إنفاقاً في كرة القدم في ذلك العام؛ بهدف إعادة النادي الذي كان يتواجد في مصاف دوري الدرجة الثانية بفرنسا، والتخطيط لمُقارعة الاستثمار القطري في نادي العاصمة باريس سان جيرمان محلياً. ويُمكن القول بأن ريبولوفليف كان ذكياً في استثماره بموناكو لسببين رئيسيين: الأول، عراقة وتاريخ موناكو والشهرة التي يتمتع بها، وحضوره محلياً وأوروبياً، الثاني، أن سعره في تلك الفترة لم يكن باهظاً، فالنادي يقبع في مصاف أندية الدرجة الثانية وحاله من سيئ إلى أسوأ.

.. حتى ينجح الاستثمار الذي قام به الروسي فقد أنفق ما يُقارب 100 مليون يورو في التعاقدات. فجلب عددا من الأسماء المغمورة والموهوبة، وركز على مدارس تكوين اللاعبين في النادي مما أتى بنتائج كبيرة بعد صعوده إلى مصاف دوري الدرجة الأولى. موناكو في فترة بسيطة من 2012 رسم خطة عمل عقلانية، والآن يزاحم باريس القوي، وأوّجد مُنافسة شرسة في بطولة الدوري الفرنسي المستفيد الأول من هذه الاستثمارات. ويُمكن القول بأن عوامل نجاح موناكو تحققت على المدى القصير. الفريق فرض نفسه كرقم صعب محلياً وأصبح يتمتع بثقل رياضي وسمعة كبيرة. أضف إلى ذلك أن النادي توّج بالبطولة المحلية الموسم الماضي ونجح في الوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

موناكو طبَّق الدرس جيداً، وحقق النجاح من أوسع أبوابه، المبلغ الذي استثمره في كُل اللاعبين عاد إليه وبأضعاف من عملية بيع المُهاجم الواعد كيليان مبابي الذي يتداول عبر المواقع الرياضية بأنه رحل إعارة مع إلزام الشراء في العام المُقبل بـ 180 مليون يورو، نستنتج من ذلك أن خمسة أسماء رحلت فقط تعاقد معها موناكو بـ38 مليون هم بيرنارد سيلفا، باكايوكو، بينجامين ميندي وسيُحققْ عائد يفوق 332 مليون يورو في الصيف المقبل بعد التخلي عن مبابي بشكل نهائي. ولازالت الفرصة كبيرة عديدة بنجوم يمتلكها الفريق أمثال ليمار الذي رفض النادي 100 مليون لبيعه.

نحن بحاجة اليوم إلى عقلية مُماثلة يُمكن تطبيقها في رياضتنا المحلية، والتي لازالت بعيدة كُل البعد عن مفهوم الاستثمار في كرة القدم. الرياضة بشكلِ عام وكرة القدم بشكلٍ خاص لم تعد "هواية" وإدارتها "تطوع". الواقع الذي يجب أن يكون أبعد من ذلك بكثير. هناك حُلول كثيرة يمكن أن تُنّعش الأندية وتنهض بها في الطريق الصحيح. واحد من الحلول يأتي كإشراك حقيقي للقطاع الخاص في الاستثمار الرياضي بعد خصخصة الأندية وفق تشريعات مُنظمة لهذه النقلة! ألم يحن التفكير في هذه الخطوة؟!.