زاهر المحروقي
يعدُّ الطيرانُ المدنيُّ في أيِّ بلد من البلدان واجهةً للبلد؛ مثله مثل المطارات؛ فأول ما يقيِّم به الزائر البلد الذي يزوره هو الطيران ويليه المطار. لذا؛ لا بُدَّ من التركيز والاهتمام بقطاع الطيران؛ فإذا كان واجهة للبلد فإنَّه بالمقابل يجب أن يكون رافدًا أساسيًّا من روافد الاقتصاد الوطني.
وفي الآونة الأخيرة، كَثُر الحديثُ بالسلب عن الطيران العُماني عبر وسائل التواصل والمنتديات الحوارية، بصورة قد تؤثِّر على سُمعة الشركة، إنْ لم تكن قد تأثرت بالفعل؛ إذ تركَّزت مُعظم الأحاديث على التقصير الواضح في مواعيد الرحلات ودون الإعلان أو الاعتذار المسبق، ممَّا سبَّب قلقًا نفسيًّا لدى المسافرين، فيستدعي الأمر التدخل المباشر من الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ لأنَّ سُمعة الطيران العُماني من سمعة البلد، وهو ما ينطبق أيضًا مع أيِّ شركة وطنية تحمل اسم عُمان، ومنها شركات الاتصالات، والكهرباء والماء...وغيرها من شركات الصناعة العُمانية.
لم يكُن الموقفُ الذي رَصده سيف المعولي في صحيفة "أثير" الإلكترونية، عدد 26 أغسطس 2017، هو الوحيد في هذا الجانب ولن يكون الأخير؛ إذ تقول التفاصيل إنَّ المسافرين العُمانيين علقوا في مطار بانكوك لمدة يومين، بسبب إلغاء رحلة الطيران العُماني المجدولة بين بانكوك ومسقط، بتاريخ 25 أغسطس، وسط عدم وضوح في الحلول -كما عبَّروا لـ"أثير". وقد وصف أحد العالقين أنه كان من المفترض أن تكون الرحلة في الساعة الثانية والنصف ظهرًا، وبعد شحن الحقائب تفاجأوا بأنَّ الرحلة تأجلت للساعة الثانية ليلا؛ وقد وفَّر الطيران العُماني فندقًا ووجبات، لكن المعاناة الأكبر هي الانتظار دون الأغراض حتى موعد الذهاب ثانية إلى المطار. وهناك تفاجأوا بأنه لا توجد رحلة للطيران العُماني أصلا، والمشكلة الأكبر أنه كان من بين المسافرين عدد كبير من المرضى يحتاجون إلى أدويتهم الموجودة في الحقائب. ولكن: هل هذه كانت هي كل التفاصيل؟ لا؛ فأحد العالقين يقول: "قضينا الليل في البحث عن مكتب للطيران العُماني في مطار بانكوك ولم نجد لهم مكتبًا، وفي الصباح تفاجأنا أنَّ الطيران العُماني قام بتوزيع الركاب على طائرات متعددة؛ منها: الطيران التايلندي الذي يذهب إلى النيبال. وبعد ذلك، يتم التغيير إلى طائرة الطيران العُماني؛ وهناك طيران ينزل في الهند ست ساعات (ترانزيت)؛ وطيرانٌ آخر يطير من بانكوك إلى الدوحة ثم مسقط. وهذه في الواقع مأساة ومعاناة للمسافرين؛ فالقضيةُ ليست قضية فندق ينام فيه المسافرون دون حاجياتهم وأغراضهم، وليست في "توفير الحلول لنقل الضيوف عبر شركات طيران بديلة إلى نقاط محددة ضمن شبكة الطيران العُماني، ليتم توفير رحلات ربط من قبل الشركة بين تلك الوجهات ومسقط"، كما ذكر بيان الطيران العُماني؛ وإنَّما المسألة أكبر من اتخاذ إجراء مُؤقت لا يمكن أن يكون حلًّا؛ فهذا الإجراء كان يجب أن يُتَّخذ في ظرف كهذا الظرف دون أيِّ مَنٍّ على الركاب؛ فتلك الحلول هي عادية جدًّا وتلجأ إليها كل شركات الطيران في العالم.
هناك قصصٌ كثيرةٌ مشابهة لما حدث في مطار بانكوك؛ ومنها ما حدث في مطار مسقط الدولي أيضًا في اليوم نفسه السبت 25 أغسطس 2017، عندما وصل الحُجَّاج إلى المطار الساعة 12 ظهرًا، ليتفاجأوا بأن الرحلة المجدولة من مسقط إلى جدة قد تأخرت إلى الرابعة وأربعين دقيقة عصرًا، دون توفير فنادق أو غداء للمسافرين. وإذا قمنا بإحصاء تلك المواقف -وهي كثيرة- فلن ننتهي منها في مقال واحد. رغم أنَّ الشركة تقول عن نفسها في صفحتها الرئيسية على موقعها: "تتميَّز الشركة بدقة المواعيد -حيث سجَّلت معدلات الدقة في الأداء أكثر من 95%- وتسعى الشركة في الفترة المقبلة إلى الارتقاء بمعدلات الأداء في سجلاتها وتحقيق نتائج أفضل".
القصدُ من هذا المقال هو: يجب أن تقف الحكومة بثقلها لإنجاح الطيران العُماني؛ فما يتم تداوله عن "الناقل الوطني" عبر ساحات الحوار كثيرٌ، وقد تناول أمورًا عديدة؛ منها: سيطرة الأجانب على العُمانيين، مع إعطائهم رواتب أكثر من المواطنين، رغم أنَّ كفاءة العُمانيين أفضل بكثير من بعض الأجانب، وهذا جعل نسبة العُمانيين تقل سنويّا لصالح الأجانب؛ وهذا بدوره قد يؤثر على الأهداف الإستراتيجية التي تسعى الشركة لتحقيقها وهي -حسبما هو معلن عنها- أن تكون شركة طيران آمنة، وأن تكون الخيار الأول للسفر، وأن تعمل من أجل زيادة الإيرادات وخفض التكاليف، وأن تلبِّي متطلبات النمو على النحو المحدد في الخطة العشرية للشركة، وأن تسهم في تنمية عُمان. وهي في الواقع أهداف إستراتيجية رائعة، لكنها ستبقى مجرد حبر على ورق إذا لم يتم تحويلها إلى واقع. فيكف يمكن أن تكون الخيار الأول للسفر والحديثُ يدُوْر عن التأخر في المواعيد كما حدث في بانكوك؟! وهل فعلا استطاعت الشركة أن تزيد الإيرادات وتُسهم في تنمية عُمان، فيما الحديثُ يدور عن خسائر الشركة تقترب من مئتي مليون ريال عُماني، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العُماني ما يعاني؟! وهذا يطرح أسئلة مشروعة؛ وهي: هل عُمان في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة تتحمل خسائر بهذا الحجم؟ ثم لماذا الخسائر في الأصل؟ وأين الخلل؟ وإذا كانت الشركة تسجل خسائر، فأين التخطيط السليم؟ ولماذا تم توقيف بعض الخطوط مثل خط مسقط-دكّا، حيث كانت الرحلات ممتلئة بمعدل رحلة واحدة يوميًّا؟
... إنَّ الطيران العُماني يحمل اسم بلد عريق؛ لذا فرغم تلك الخسائر من الصعب الاستغناء عن الشركة. ووضعُها معقدٌ جدًّا؛ فهي تعمل في بيئة تنافسية أقرب ما تكون لقزمٍ أمام عمالقة، مقارنة بشركات الطيران في دول المنطقة، وعدد المسافرين لمطارات تلك الدول مع المسافرين في مطار مسقط الدولي. وقد تكون هناك أعذار منطقية كالتأخر في إنجاز مطار مسقط الدولي الجديد؛ إذ لا توجد صالات تتناسب وحجم التوسع المنشود للشركة، لكنْ هناك أمورٌ أخرى ينبغي لمجلس الإدارة أنْ يعمل جهده لإصلاحها؛ فليس من المنطق أن يتم -مثلا- بيع قطاعات من الشركة وهي القطاعات التي تدر أرباحًا، مثل الشحن والهندسة والتموين والخدمات الأرضية؛ فقد تم الإعلان عن تأسيس شركة الطيران العُماني ساتس للشحن (ش.م.م)؛ وهو مشروعٌ مشترك بين الطيران العُماني وشركة ساتس السنغافورية المحدودة، حيث صرح خليفة البهلاني مدير التطوير بشركة الطيران العُماني ساتس بأنه "بات بمقدورنا الآن توفير خدمات لا نظير لها في الشرق الأوسط". فيما تقول شركة الطيران العُماني إنَّ تلك الخطوة "تمثل محورًا مهمًّا في تقديم خدمات أفضل لقطاع الشحن الجوي وشركات الطيران التي تشغل خدماتها عبر مطار مسقط الدولي على حد سواء". إلا أنَّ الموظفين العُمانيين في الطيران العُماني يرون أنّ فكرة التحول إلى شراكة مع شركات أجنبية، خلق مشاكل كثيرة مع الموظفين، لأنهم نُقلوا إلى الشركة الجديدة دون أخذ موافقتهم -حسبما كان مقترحًا- علمًا بأنَّ لدى الناقل الوطني أكثر من أربعة آلاف ومئتي موظف وموظفة من العُمانيين، وهم يشكلون 64% من إجمالي موظفي الشركة؛ وتتركز مخاوف العاملين في أنْ يتم بيع القطاعات المربحة لشركات أجنبية على حساب الطيران العُماني، فتقوم الشركة بدفع مبالغ طائلة نظير استخدام خدمات تلك الشركات.
لست ملمًّا بأيِّ تفاصيل أكثر من هذه؛ لذا من الأفضل أن أتوقف هنا، ولكن ما أراه هو واجب تحويل شركة الطيران العُماني إلى شركة مربحة للدولة، فلا معنى لوجود شركة - أيّا كانت- إذا كانت ستُحمِّل الدولة خسائر؛ فالوضع الاقتصادي صعب وحرج ولا يحتمل ذلك؛ وينبغي أن يضم مجلس الإدارة عقليات تجارية تستطيع أن تستغل موقع عُمان الجيد، حتى تكون شركة الطيران العُماني رافدًا قويًّا للاقتصاد العُماني وواجهة حقيقية للبلد.