مدرين المكتومية
نصحو كل يوم ونحن نلامس بقلوبنا وأفكارنا الأمل في يوم جميل مُفعم بالحياة والإنجاز والأخبار السعيدة، نُصافح الأيادي والوجوه التي نُحبها ولا نستطيع الاستغناء عنها، بابتسامة نبدأ تفاصيل اليوم قبل أن نُغادر مسرعين نسابق عقارب الساعة، قد نتوقف قليلاً لارتشاف كوبٍ من الشاي أو القهوة، نُطارد الوقت ونبدو في غاية الاستعجال ونحن نضغط على بوق السيارة نستعجل أحدهم ليفسح الطريق أو يسرع قليلاً.. ونكمل السباق حتى نلقي بأنفسنا على المكتب ونبدأ مرحلة جديدة من اليوم.
هكذا تبدأ طقوس يومي من لحظة الاستيقاظ، وهكذا الكثير منِّا يبدو متعجلاً الوصول إلى مُبتغاه فلا يكترث لحال من نتعامل معهم ونقابلهم كل يوم، كالبائع البسيط الذي قد لانلتفت إليه في مسيرتنا الصباحية..
ولأنني كنت مضطرة إلى الانتظار قليلاً، كانت عيناي تلتفان في كل الاتجاهات لأرى من حولي الناس الذين أجبروا مثلي على ترك دفء بيوتهم وأسرهم ساعين مسرعين إلى طلب رزقهم، وبعد لحظات من الانتظار أرى امرأة بجانبي بسيارتها البسيطة وهي تشتري لعُمال يعملون على تصليح الطريق الشاي والماء، وأطالع وجوههم التي ملأتها الابتسامة وملامح الامتنان، يلقون عليها التَّحية من بعيد، وكأنها بالعطاء ذلك منحتهم سعادة يوم كامل.
كان الموقف بالنسبة إلى شخص مثلي على عجالة من أمره من المواقف التي تُثير الخجل من النفس، فقبل لحظات كنت أطالب العامل الذي سيأتي لي بالشاي بأن يسرع وبدوت في غاية الضيق، وبعد هذا الموقف امتلأ القلب سعادة وحباً لكل من حولي، لذلك عند عودته بما طلبت كانت الابتسامة الراضية الممتنة على وجهي بينما اكتفى هو بالاستغراب من تبدل الحال وهو لا يُدرك كيف أشعر بالخجل، من هؤلاء الذين يعطون بلا حدود ويتحملون كل الصعاب من أجل تواصل عطائهم للآخرين الذين لايعرفونهم في أغلب الأحوال.
اكتشفت مع الوقت أن هناك مساحة من النقاء والحب داخل كل منِّا، قد لا نشعر بها إلا بالعطاء، فالمسألة لا تتعلق بالغنى والقدرات المالية بقدر ما تتعلق بالروح المحبة للحياة وللناس، فربما نصادف في حياتنا أناس يمتلكون ثروات لكنهم لا يتقاسمون نعيمها مع غيرهم، ولو بقدرٍ يسير.
ويمكننا القول إن هناك من يصل بنفسه إلى مرحلة "البخل" تلك المرحلة التي لا يتقبلها الله فيحرم نفسه ومن حوله مارزقه الله، وهناك من يعلق بين الإفراط والاعتدال فتجده غير قادر على التماسك وينتهي به الأمر إما بأن يكون من المبذرين أو من المبتلين بأموالهم، لكن العطاء صورة وشكل من أشكال المحبة وتقاسم الخير والرزق مع الآخرين.
تبقى المسألة في حدود رغبات الآخرين، فهناك من يملكون كل شيء لكنهم لا يتقاسمون خيراتهم مع الناس، وهناك من يجد سعادته في سعادة من حوله، وهناك من يفكر بالآخرين حتى وإن كان ما لديه قليلاً، فهو يفضل أن يرى تلك الابتسامة ترتسم على شفاه من حوله ولو بالقليل، وهناك من يؤمن بأن الله يعطي ويأخذ ويرزق، فكلما قدمت ما بيديك لغيرك، كلما عوضك الله خيراً في لحظات الحاجة والضيق، وما أحوجنا أن نجد من يقف معنا حين نجد كل شيء أمامنا قد أغلق، فما أود قوله إننا بحاجة لبعضنا البعض، وكل ما أعطينا كل ما شعرنا بالنقاء الداخلي والرضا التام الذي يجعلنا نستيقظ دون أن نعيش التوتر الذي يقودنا إلى إزعاج الآخرين من حولنا سوى بقيادتنا السيئة أو باستعجالنا وربما بأسلوبنا الجارح الذي قد لا نشعر به إلا بعد فوات الأوان.
madreen@alroya.info