السهل الممتنع

 

ناصر العبري

 

قمنا مؤخراً بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية، وقد أبهرتني التنمية المنتشرة في ربوع هذه الدولة القارة، فهي ليست دولة عادية، بل أكبر دولة من حيث عدد السكان، وكنَّا في هذه الزيارة ضمن وفد إعلامي عُماني، بهدف زيارة الدولة الأكثر تطورًا في آسيا، والتعرف أيضا على التجربة الصحفية لعدد من الصحف ووسائل الإعلام هناك.

لقد دهشنا حقاً من الاحترام والتقدير وكرم الضيافة من الأصدقاء والزملاء في الحكومة الصينية ورؤساء الصحف والإعلاميين في الصين، ومن هنا أوجه كلمة شكر وتقدير إلى السفارة الصينية في السلطنة على المُتابعة المستمرة وللمترجمة المرافقة لنا منذ وصولنا بكين وحتى عودتنا إلى أرض الوطن. وينظر العديد من أبناء دول العالم المتقدمة والنامية إلى الصين على أنها المارد العظيم الذي حقق في وقت قياسي ما لم يستطيع أن يحققه الآخرون. وقد قام العديد من العلماء والمثقفين بدراسات تحليلية لتجربة الصين العظيم

تتلخص هذه السياسة في أربعة مبادئ أساسية، هي حب الوطن، والاهتمام بالتعليم، ونشر روح التعاون بين أبناء الوطن الواحد، والتطلع لسلام دائم. وهذه الأسس هي "السهل الممتنع" فهي في غاية السهولة والعمق في آن واحد، وقد يكون تنفيذها في أماكن أخرى من العالم أسهل من تنفيذها في بلد مثل الصين تتعدد العادات والتقاليد والأديان واللغات والقوميات، بالإضافة إلى مساحتها الشاسعة وكثافة سكانها العالية. ولكن الصين بحب أبنائها لوطنهم وتعاونهم وطموحهم وتطلعهم لخلق مُستقبل مشرق للأجيال القادمة، استطاعوا أن يتغلبوا على كل هذه الصعبات ويمحوا من قلبهم حب الذات واضعين مكانه حب الوطن والمصلحة العامة. وبذلك تمكنوا من صنع المعجزة وتحقيق "السهل الممتنع". يقول مثل شعبي "أنا وأخواني على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب" ووجدت أنه في الصين يطلقون على ابن العم وابن الخال اسم "أخي" فهم شعب يدعو إلى السلام ويعتبرون أنفسهم إخوانا في أسرة واحدة مع اختلاف عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم ولغاتهم وأديانهم، ويرون أن هذا الاختلاف بين الثقافات من أسباب النجاح. وليس من أسباب التفكك. وكما يقول قادة ومفكرو الصين دائمًا "التنوع فرصة جيدة للتعلم واكتساب الخبرات".