الفنكوش



وليد الخفيف
"الفنكوش" مصطلح حفظته الجماهير من فيلم عربي قام ببطولته الفنان المصري عادل إمام، ودارت أحداثه حول مسؤول دعاية بارع قام ببيع سلعة وهمية ليس لها وجود عن طريق الترويج لها بإعلانات جذابة حتى أقبل الكثيرون على شراء تلك السلعة الوهمية التي لم تحدد ما هيتها إلا بعدما تلقي مخترع الفنكوش طلبات شراء كثيفة لها، ما دعاه لاختراع أي شيء يحمل هذا الاسم، قصة الفيلم تتشابه لحد كبير مع توصيات وخطط وبرامج بعض الخبراء الفنيين المسند إليهم تطوير قطاع الرياضة التنافسية، فالخطط ذي الألوان الزاهية تبهرك حين الاطلاع عليها وإن كانت جوفاء المحتوى في حقيقتها تفقتد الأدوات الواقعية لتنفيذها وبعيدة كل البعد عن كوكبنا، فما أجمل الرسوم البيانية - وإن كان بعضها غير مفهوم-  فضلا عن الجرافيك العنكبوتي المتشابك، ويا سلام على البرامج الزمنية وتقسيمها لشهور وأسابيع وأيام ثم لساعات تخرج في الأخير برقم كبير من ساعات التدريب تبعث بداخلك أملا خادعا بالقدرة على تحقيق هدف يبدو الوصول إلى الشمس أقرب منه إذا ما نفذت هذه "الوريقات" أو الاختراعات الفيزيائية الحديثة "القادمة لك من إخوانكم بكوكب زحل الشقيق".
مجرد كلام إنشائي جميل بعبارات ضخمة إعلاميا، أمّا الوسيلة فضبابية فمفقودة والأدوات غير متوفرة، فما أسهل أن أسافر إلى اليابان على سبيل المثال لأحصل منهم على خطة تطوير لعبة ما، وآتي بها لهنا بألوانها ومخططاتها وجداولها لأعرضها في "برزنتاشين" بديع والأجمل أن يكون المحاضر بشعر أصفر وعيون خضراء، أما تطابق محتوى الخطة وأهدافها مع الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة أو الواقع الرياضي فأمر ثانوي ليس مهما، المهم أن يأتي الخبير باللاب توب ويجلس منهمكا في معمله ليخترع لنا قصصا وأحلاما وردية قبل أن تنتهي مدة إقامته السعيدة دون أن يترك شيئا يحفظ لمن تعاقد معه ماء وجهه.
اعتقد أن أهل مكة أدرى بشعابها، ومن الصعب أن يأتي أكبر خبير في العالم ليضع لك خطة تطوير خمسية بين ليلة وضحاها، إذ يحتاج الخبير الحقيقي لفترة ليس بالقصيرة ليؤسس قاعدة بيانات ينطلق من خلالها لخطة عمل واضحة وبرامج زمنية دقيقة وواقعية، فهل تدري عزيزي القارئ أنّ معظم مؤسساتنا الرياضية تفتقد لقاعدة البيانات الأولية، فلو وضع الخبير الحقيقي خطته القائمة على المعايير المتعارف عليها لشعرنا بالتطور المنشود، ولو كان لهذا الخبير اسم كبير في صنعته لتوجس من اهتزازه حال فشله لسبب أو لآخر، فهناك نوعان: خبير يأتي كموظف أو إداري همام وهو موجود بكثره وآخر يأتي لتحقيق إنجاز جديد يخلد اسمه وهو العملة النادرة التي نبحث عنها، ورحم الله الجنرال محمود الجوهري الذي أرسى قواعد كرة القدم الأردنية، حيث المثال الحقيقي للخبير الفني المحترم.
سنوات تمضي ومردود الرياضة التنافسية لا يلبي الطموح، فما تقدمه الدولة من إمكانيات أكبر من المردود الشحيح الناتج من قصور إداري واضح، فما رأيكم في الكمون الصيفي لمعظم ألعابنا الرياضية التي غابت عن كل البطولات العالمية التي أقيمت خلال هذا الصيف! لم نشارك مثلا في بطولة العالم للسباحة في بودابست لأننا لم نشارك أصلا في بطولة آسيا! ولم نشارك في بطولة العالم لناشئي الكرة الطائرة المقامة حاليا في البحرين! ولم نشارك أيضا في بطولة العالم للمنتخبات تحت 23 سنة في الكرة الطائرة المقامة حاليا في مصر! ولم نشارك في بطولة العالم لألعاب القوى في لندن واكتفينا ببطولة خريف صلالة! أما عن استعداداتنا للأولمبياد القادم فكارثية أو بالأحرى لا يمكن وصفها لأنها حالة اللا استعداد، فلا يمكن تحقيق ميدالية أولمبية مع استمرار حالة اللاهدف واللاقانون للرياضة واللاخطة ومواصلة التهافت على مناصب إدارية من المفترض أنها تطوعيّة مع غياب مرجعية الفصل الحاسمة في المنازعات، فهل تعتقد عزيزي القارئ أن نحقق شيئا في الأولمبياد القادمة ومعظم بنود موازنات اتحاداتنا موجهة نحو الجانب الإداري؟ فلا توجد مرجعية أولمبية والجهة الإدارية وفقا للقانون والنظام الأساسي مهمتها في المقام الأول الرياضة المجتمعية أما ملف الرياضة التنافسية فمن مسؤوليات الاتحادات واللجنة الأولمبية.
وأخيرًا عزيزي القارئ إذا رأيت "الفنكوش" فسترى نجاحات الخبراء وإنجازاتهم...!