حميد السعيدي
البحث عن المستقبل لا يمرُّ إلا عَبر بوابة المدرسة؛ فمن يرغب في بناء العقول والفكر والإبداع، فعليه بالذهاب للمدرسة، ومن يرغب في غرس القيم والأخلاق وبناء المواطنة، فسبيله لتحقيق غايته هي المدرسة؛ لذا تُعتبر المؤسَّسة التربوية الأولى، وعليها يقع العبءُ الأكبر في بناء شباب المستقبل.. فماذا نريد منها أن تُحقَّقه؟
المدرسة ليست قاعة صفية يتم فيها تعليم الطلاب، وإنما منظومة شاملة من العلم والمعرفة والمهارات والأخلاق والقيم، وفيها تظهر المواطنة، ومنها تتخرج تلك العقول الباحثة عن الإبداع والابتكار، إنَّه الحلم الكبير الذي يبحث عنه هذا الوطن بين جدران ذاك المبنى، هكذا هي الصورة الإيجابية التي نريدُها أنْ تظهر في أبنائنا؛ لذا كان الإنفاق على التعليم يتصدَّر قائمة الميزانية المالية السنوية، وهذا يعني مدى الاهتمام الذي توليه الحكومة بالتعليم.
حاجة الوطنُ للمدرسة تتجاوز كلَّ شيء؛ فهو يبحث عن مُخرجات تمتلك المهارات المتنوعة والقادرة على الإبداع والابتكار، وحل المشكلات والاستقصاء عن المعرفة، مُخرجات لا ترى إلا في الوطن رسالة عظيمة، همُّها رفعته والحفاظ عليها، فما تضمُّه في كياناتها من اتجاهات وانتماءات وطنية هي المعينة لها في العمل والإخلاص؛ لذا فإنَّ المجتمع حريصٌ على أن تكون هذه صفات مُخرجات المدرسة؛ لأنَّه يعي جيداً مَدَى فُقدان أو خسارة أجياله إنْ لم تكن في ذلك المستوى من امتلاك المهارات والمعارف والاتجاهات؛ الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك قاعدة أساسية من المعرفة التاريخية والجغرافية عن الوطن، والمعرفة العملية في مختلف المجالات الرياضية والعلمية التي تُعِيْنها على صناعة مستقبل اقتصادي قادر على تحقيق التنافسية العالمية، ويعمل على خلق اقتصاد متنوِّع المصادر. لذا؛ فالمجتمع يترقَّب كلَّ عام مرحلةً من العطاء والجهد والعمل؛ تظهر ثمارها في تلك الأيادي الشابة الطموحة التي لا ترى في الوطن إلا مسبارَ مُستقبلها؛ لذا فالكلُّ يعمل: المعلمون في المدرسة يبذلون قصارى جهدهم من أجل تحقيق أهداف المدرسة، وأولياء الأمور يقومون بواجبهم في الاهتمام بأبنائهم ورعايتهم وحثهم على العلم والمعرفة وتسليحهم بالقيم والأخلاق الفاضلة، كلُّ هذا من أجل إيجاد مواطنين قادرين على النهوض بوطنهم، وعلى الاجتهاد في سبيل العلم والمعرفة؛ بحثا عن مجداً جديداً لا يأتي إلا عبر بوابة المدرسة.
وهنا.. يتَّضح أهمية دور المعلم في حث الطلاب على البحث عن المعرفة وإكسابهم المهارات المتنوعة، وغرس فيهم القيم والأخلاق، وتنمية المواطنة في نفوس النشء؛ لذا فالرسالة عظيمة والأمانة التي ألقيت على عاتق المعلم أكبر مما يتصورها البعض، فمهنة التعليم ليست كأي المهن، لذا قدَّرتها الأمم والحضارات، وكانت في مقدمة اهتماماتها؛ لأنها تدرك حجم الأهمية لهذه الوظيفة الأساسية في المجتمع؛ لأنَّ بناء الأوطان تحتاج معلمين أكفاء قادرين على تحقيق الأهداف والغايات الوطنية العليا. وعلى العكس من ذلك لو أخفق هذا المعلِّم، فإننا لن نرى تلك المخرجات الفاعلة والنشطة، فما نراه اليوم من نجاحات هو نتيجة المدرسة، وما نراه من إخفاقات هو أيضا أحد مُخرجاتها، في ضوء ذلك نستطيع أن نصدر أحكامنا على مدى نجاح التعليم أو إخفاقه.
اليوم، المدرسة تفتتح أبوابها مُعلنةً إشراقة عام جديد على أبناء عُمان، تستقبل أكثر من نصف مليون طالب، يُمثِّلون ربع سكان المجتمع العُماني؛ فالرقم كبير بالنسبة لمجتمع لا يتجاوز عدد سكانه المليوني نسمة؛ لذا فالاهتمام بهذا الرقم يجب أن يكون في أولويات اهتمامنا، فبعد مرحلة من الزمن لا تتجاوز الجيل ستظهر هذه المخرجات حاملةً معها لواءَ هذا الوطن، ونحن نترقب أن تكون مخرجات وفقا للطموحات وقادرة على مجاراة العالم في صناعة مستقبلها. لذا فالجميع يستعد لاستقبال هذا العام لأنه يدرك أهمية تحقيق النجاح فيه، فالغاية العظيمة تتصدر المهمة الأساسية من التعليم، ولا غرابة أن يكون اهتمام أولياء الأمور بتعليم أبنائهم يدفعهم نحو انتقاء المدراس المجيدة والمعلمين المجيدين؛ فالمجتمع أصبح اليوم هو القاضي الذي يستطيع تحديد المعلمون الأكفاء؛ لذا فأعظم تكريم يحصل عليها المعلمون، أولئك الذي يذهب أولياء الأمور لانتقائهم وتحديدهم لتدريس أبنائهم، وهذا ما يحدث اليوم في الكثير من المدارس، وهذا أعظم تكريم يحصل عليه المعلم، عندما ينتقي ولي الأمر المعلم، لأن يدرك جيدا من هم المعلمون الأكفاء والذين يؤتمنون على الطلاب. وفي الجانب الآخر، نجد أولياء الأمور ينقلون أبناءهم ويتحملون تكاليف النقل إلى مدراس أخرى لأن سمعتها وكفاءة معلميها تتصدر قائمة المدراس المجيدة التي أصدر المجتمع حكمه فيها، وبالرغم من سلبيات هذا السلوك أو إيجابياته إلا أنه يمثل أحد جوانب المكافأة التي يحظى بها المعلمون المجيدون، وهذا أعظم تكريم يحصل عليه المعلم، عندما يكون جزءا من المجتمع، ويدرك حجم المسؤولية التي يتولى إنجازها، وهذه ثمار الإخلاص والأمانة في العمل؛ فهل كل المعلمون قادرون على تحقيق ذلك، والحصول على هذه المكافأة الشرفية التي تأتي من المجتمع؟!
Hm.alsaidi2@gmail.com