عبد الحسين.. أيقونة الضحك الخالدة

 

مسعود الحمداني

 (1)

إنه الموت حين يحضر.. إنها الحياة حين تغيب..

رحل الفنان عبد الحسين عبد الرضا الذي أُرسله الله تعالى لهذه الدنيا لكي يُضحك الناس ويسعدهم.. ويزرع الابتسامة على الوجوه، أغلق عينيه بهدوء في مدينة الضباب، تحيط بسريره آلاف القلوب المحبة له بصدق من كل العرب الذين عاشوا جيله الذهبي، وعاشوا أحداث مسرحياته ومسلسلاته التي لا تغيب عن الذاكرة الشعبية الخليجية.

كانت أعماله جزءًا من مسيرة الكوميديا الحافلة بالضحك الراقي، لم يبتذل في كلماته، أو أعماله، ولم يستجدِ ضحكات الجمهور، ولم يهبط بفنه ومستواه إلى ما لا يحبه، كان فنانا ملتزما بفنه، وعاشقا للحياة، ومحترما لمن يشاهد مسرحياته، ومسلسلاته، وكان منحازا للإنسان الخليجي أينما كان، بسيطا، وحميما، وعظيما.

(2)

كانت الأعمال القديمة في الستينيات (الأبيض والأسود) في الكويت تصنع دون رتوش أحيانا، ودون منتجة (صاخبة) للقطات، ولم يكن غريبا أن تشاهد الممثلين الذين يقفون أمام العملاق (أبو عليوي) يحاولون أن يكتموا ضحكاتهم، فلا يستطيعون، وكنت ترى جيل الفن الراقي سعد الفرج وعلي المفيدي وإبراهيم الصلال وخالد النفيسي وعبد العزيز النمش (أم عليوي) ومريم الغضبان، وسعاد عبدالله، وغيرهم وهم يصنعون معالم الفن الخليجي دون تكلّف، ودون أنانية، وبحب صادق للفن، ولأجل الفن فقط.. فدخلوا جميعهم قلوب الناس، ولا أستثني أحدا منهم، لأنهم كانوا مخلصين لما يحبون، ويحملون رسالة الضحك الراقية دون أن يهبط أحد منهم حتى يومهم الأخير إلى الإسفاف والابتذال الذي تعيشه معظم الأعمال المسرحية والدرامية الخليجية الحالية.

(3)

الحديث عن عبد الحسين عبد الرضا حديث عن أجيال من الفنانين، والأعمال التي لا تسقط أبدا من ذاكرة الناس، أعمالهم تتحدث عنهم، ومسيرتهم المشرفة تزهو بهم، وأعمالهم المنحازة للمجتمع، والنابعة عنه، تروي حكايات لا تمل مرت بأجيال وأجيال، وعاصرت مشاهد لم يكن ليعرفها الكثيرون إلى أن كشفتها مسلسلات وأعمال عبد الحسين، والتي لم تكن تخلو من دروس في العادات والتقاليد ألفها بنفسه، وعاشها حيّة في تمثيله الصادق، اتسمت بالبساطة في الطرح، والعمق في المضمون، واختارت الكوميديا السوداء سبيلا للتوصيل، ولم تخلُ من دلالات سياسية أحيانا، وكانت شاهدا على متغيرات ثقافية واجتماعية مرت بالمنطقة، حتى في أحلك الظروف الكويتية لم يهبط عبد الحسين إلى حضيض السوقية، وعرض مسرحية (سيف العرب) التي تتحدث عن صدام حسين بعد الغزو العراقي دون أن يقع في فخ الشتم والسباب الذي ملأ معظم الأعمال الكويتية في تلك الفترة.

(4)

كان فن عبد الحسين عبد الرضا راقيا، ومنحازا للبسطاء من الناس، ومحترما لمشاهديه، ومتابعيه، وغير قابل للنسيان، والملل، خاض في ما هو سياسي دون تشنج، أو شعارات زائفة، ففي مسرحية (باي باي عرب) و(باي باي لندن) وغيرهما كان الإنسان العربي المغيّب حاضرا، ومباشرا وصادما، قدّمه عبد الحسين بعين وقلب الفنان، وليس برؤية السياسي، وهكذا كانت أعماله الكثيرة والتي تبلغ المئات لا تنحاز لغير الفن، ولا تنجرف إلى ما هو تجاري مسفّ ومبتذل كما هو حال المسرح الخليجي اليوم.

(5)

رحم الله (أبا عدنان) أو (أبا عليوي) أو (حسينوه)، رحمة واسعة، وجعله مبتسما حين يبعث حيا، كما أسعد وادخل الابتسامة إلى قلوب الملايين، ورحم الله عمودا راسخا من أعمدة الفن الخليجي الذي سيبقى خالدا بأعماله كل الحياة، لا يموت أبدا.

Samawat2004@live.com