مجمَّعات بلا مساجد!

عمَّار الغزالي

حِرَاكٌ واسعٌ يَشْهدُه قطاع بناء وتشييد المجمَّعات السياحيَّة المتكاملة على امتدادِ السلطنة، ترافقه زيادة في أعداد الوحدات السكنية والشقق الفندقية، وارتفاع الطاقات الاستيعابية ونسب الإشغالات، وتنامي أعداد المطاعم والمحال والمراكز التجارية، وتخصيص أماكن لفروع المصارف والبنوك والمرافق العامة والصحية، واشتراط مساحات بارتدادات معيَّنة كفواصل بين إحرامات البنايات، وأخرى لمواقف السيارات، إلا أنَّ ما يَصْدِمك كقاطن أو زائر لهذه المجمَّعات الجديدة، أنها لا تتوافر على مسجدٍ واحدٍ مُنفصِل، ولا أَدْرِي حقيقةً السبب الذي يَجْعَل وزارة الإسكان أو وزارة السياحة -كونهما الجهات المعنية- لا تُلْزِم المطوِّرين ببناء المساجد في هذه المخططات الجديدة؛ في حين تُلزم وزارة الإسكان المواطن البسيط صاحب المزرعة إذا زادت عن مساحة معينة، وتمَّ تحويلها إلى مُخطَّط سكني، أن يُخصِّص إحدى قطع التقسيم لبناء مسجد -وهي أرضه- فكيف لا تُلزِم عمالقة التطوير بتخصيص جزء بسيط من أراضٍ بمساحات مليونية -وهي أساساً ملك الوزارة، والمطوِّر يبني عليها بموجب عقد انتفاع- بتخصيص مِثْلِها ضمن مُخطَّط مُجمِّعاتهم.

فمجمعات سياحية بارزة كمشروع "بر الجصة"، والعملاق "الموج مسقط"، ومنتجع شاطئ صلالة، ومسقط هيلز -والمقدَّرة مساحاتها بملايين الأمتار المربعة- كلها مُجمَّعات سياحية بلا مساجد منفصلة، ولقد جاهدتْ الوزارة/الجهات المعنيَّة بتوسيع دائرة خدماتها في كلِّ المجالات المرتبطة بها في هذه المجمعات، إلا أنَّها لم تُعِر اهتمامًا بعدم وجود أراضٍ تتَّسع لبناء مسجد واحدٍ، على الرغم مما تنصُّ عليه القوانين أساسًا من ضرورة توفير مساحات من أيِّ مشروع للخدمات العامة: سواء مساجد، أو حدائق، أو مرافق وما شابه. والإشكالية أنه حتى ولو أبْدَى قاطنو تلك المجمَّعات رغبة تطوعية في التكفُّل ببناء مسجد على نفقتهم الخاصة، فإنهم لا يستطيعون القيام بذلك لعدم وجود أرض مُخصَّصة للمسجد ضمن المخطط العام، ولقد زُرت مجموعة من المشاريع السياحية المتكاملة في ماليزيا وتركيا والإمارات وكلها تحتوي على مسجد مستقل، بل إنَّ بعضها بحتوي على جامع بحجم مناسب وتُقام به صلاة الجمعة، كما أنَّ بعضها مُرتبط بمركز للثقافة الإسلامية يعرِّف بالإسلام، ويحكي قصة الحضارة الإسلامية، وهنا سنجد الكثيرَ مِمَّا سنقدمه للسائح عن تاريخ عُمان الحضاري، ورسالة الإسلام دين التسامح...وغيرها الكثير؛ فالسياحة -كل هو معلوم لدى الجميع- ليست مُقتصرة على الفنادق والشقق والمطاعم. وإذا أردنا أن نسميها بالمتكامله فلتكن متكاملة واقعاً.

الأمرُ يَشرع الأبواب أمام تساؤلات عِدَّة: ألا نملك محاور إستراتيجية واضحة لبناء دور العبادة في المناطق/المجمعات السياحية والسكنية الجديدة؟ وأين الاشتراطات التنظيمية لبناء المساجد والجوامع في مثل هذه المجمعات؟ ولماذا لا يُشترط على المطوِّرين أن تكون الأراضي الخاصة بالمساجد ومرافقها مُحمَّلة على المخطط، مع عدم جواز التصرُّف بها لغير غرضها، بالطبع ما لم يكن هناك مُقتضَى شرعي -تحدده الجهات المعنية- يفيد بتعطيلها؟ وبعد، أليس من الأحرى أنَّه مهما كان العائد على خزانة المطوِّر أو الدولة -أو الجهة المسؤولة حتى- من هذا المشروع أو ذاك، أنْ تكون الأراضي المخصَّصة لبناء المساجد حقًّا عامًّا، وليست ضمن الأملاك الخاصة، وأن تُسن قوانين تَفْرِض على مطوِّري هذه المخططات بأن تكون مواقع المساجد محفوظة من أي تعدٍّ أو تغيير لما خُصِّصت له، وأن لا يُسمح بتحويلها لمِنَح خاصة تحت أي ظرف، وأن لا تُمس حتى وإنْ تأخَّرت الجهات المعنية عن إفراغها لصالحها بسبب بيروقراطية الإجراءات؟

إنَّ الموافقة على إنشاء مسجد لا تحتاج سوى مُوافقة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية -وفق المادة 8 من القرار الوزاري رقم 955/2010، والمتضمِّن لائحة المساجد الجوامع- وبالتالي لن يتسبَّب الأمر في تأخير المشروع بل سيزيد من تكامليته، خصوصا وأنَّ الأمر إذا تُرك للمطوِّر ذاته فإنه قد يبيح لنفسه الاستئثار بكل "شبر" في هذا المجمَّع أو ذاك؛ لتأجيره أو بيعه، بما يعود عليه بعوائد مالية.

وتشير إحصائيات الشركات العقارية المتخصصة إلى أنَّ نحو 60% من مشتري الوحدات في المجمعات السياحية المتكاملة هم من المواطنين، كما أنَّ بعضهم مستأجرون وقاطنون هناك، وحتى لو كانت المسألة في خصوصية هذه المجمعات لوجود نسبة مُعتبرة من الأجانب بها؛ فمن الممكن الاكتفاء بمكبِّرات الصوت الداخلية في المساجد الموجودة داخل هذه المجمعات، وبالطبع هكذا قرارات تتم بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والجهات ذات الصلة بالموضوع.. حيث يُفضِّل الكثير من العُمانيين السكن بالقرب من مسجد، ويخبرني أحد الوسطاء العقاريين بأن قطعة الأرض المجاورة للمسجد تعتبر مرغوبة بشكل كبير رغبةً من الشاري في مجاورة بيوت أذِن اللهُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، فكيف تعُج مُخططات المشاريع المتكاملة بالوحدات السكنية على حِسَاب بيوت الرحمن.

وحتى يُلمس تحرُّكٌ جادٌّ في هذا الشأن، سيبقى وصفُ مثل هذه المجمَّعات بـ"المتكاملة"، وصفًا مُجافيًا لعين الحقيقة، في مجتمعٍ يُعظِّم مُقدَّساته بإيمان فطريٍّ.