أنا والفلاحي وإيران .. حبل الكذب قصير

 

زاهر بن حارث المحروقي

من المؤسف أن يهبط الإعلام الخليجي إلى الحضيض، بأن تلجأ بعض وسائل الإعلام إلى فبركة أخبار ونشر تصريحات ونسْبِها إلى أُناس لا يدرون عنها شيئًا؛ مُستغلة تلك الأسماء لإعطاء صفة الشرعية لما تبثه وتنشره، حتى وإن كانت تلك الفبركات يُراد بها توجيه رسالة سياسية ما إلى فئة من النَّاس أو إلى شعب معيّن.

وقد ازدادت وتيرة هذه الفبركات ووصلت إلى قلب الحقائق ونشر أخبار كاذبة وفبركة تقارير وتأليف تصريحات منسوبة إلى مسؤولين وكتّاب ليس لديهم خبر عنها؛ ممّا يُفقد هذه الوسائل المصداقية عند المتلقي، وتضيع الحقيقة، إذ ليس كُلّ من يقرأ لديه الوقت لكي يبحث عن مدى صحة وحقيقة ما يقرأه. وكم كانت صادقة الكاتبة هيفاء زنكنة، عندما كتبت أنّ الحقيقة صارت مصطلحًا مُبهمًا تتجاذبه الأهواء والمصالح، وتتحكم فيه أجندات أنظمة ودول ومؤسسات، إلى حد أنّ الناس لم يعودوا قادرين على تمييزها.

ما كتبه المختار الهنائي في موقع "أثير" الإلكتروني دليلٌ على أنّ الإعلام الخليجي فقد المصداقية، بلجوئه إلى اعتماد الفبركة أساسًا لعملها، حيث نشر خبرًا مفاده أنّ هناك مواطنين عُمانيين قدّموا شكوى ضد قناة أبوظبي، بعد أن زجّت بهم في فيلم وثائقي يتحدَّث عن جماعة الإخوان المُسلمين في منطقة الخليج. ونقل المختار عن أحد هؤلاء المواطنين "تفاجأنا بنشر صورنا وأسمائنا في فيلم يتحدث عن تنظيمات وجماعات ليس لنا علاقة بها، وإننا نستهجن وبشدة ما قامت به القناة بالزج بأسمائنا في صراعها مع دولة خليجية أخرى". وفي كلِّ الأحوال فإنّ المسألة لا تقتصر على الافتراء فقط - طالما أنّ أصحاب الشأن قد رفضوا ذلك -، وإنما وصل الأمر إلى التدخل في الشؤون الداخلية لعُمان، فلا وجود لشيء اسمه تنظيم سري لجماعة الإخوان في السلطنة، والأمر شأنٌ داخليٌ يرجع للجهات المُختصة.

لم تكن تلك القصة هي الوحيدة، فقد سبقها موضوع آخر وهو حساس أيضًا  يخص إيران؛ إذ نشر موقع "إرم نيوز" (وهو موقع إلكتروني مملوك لشركة إرم للإعلام المسجلة في هيئة أبوظبي الإعلامية الحرة) الذي بث في 21 يوليو 2017، تقريراً بعنوان: "ترامب يستدير نحو سلطنة عُمان للمُساعدة في توجيه إيران" بقلم محمود صالح، استشهد فيه بكلامٍ للأستاذ أحمد الفلاحي، واصفاً إياه بأنَّه "معلق سياسي ودبلوماسي عُماني سابق"، زاعماً أنه أدلى به لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، وهو أنّ "السلطنة تسير على حبل سياسي ضيِّق بين الدول الصديقة لها، وهو ما يعرِّضها لفقدان موقفها المحايد"، وقال "إنّ ترامب قد يأخذ دور السلطنة الآن على محمل الجد"، مضيفاً: "لكن هذا قد لا يكون وجهة نظر دول المنطقة الأخرى، خاصة إذا استمرت البلاد في إشراك نفسها في الطرق العملية بين كلٍّ من إيران وقطر". وهذا أيضًا لا يمكن أن يوصف إلا أنه افتراءٌ آخر؛ فالموقع قوَّل الأستاذ أحمد الفلاحي ما لم يقلْه. ورغم أنه حمل الجواز الدبلوماسي لسنوات كملحق ثقافي في عدة دول وكان عضوًا في مجلس الدولة لدورتين، إلا أنه لم يدل بأيِّ تصريح سياسي لأيِّ وسيلة إعلامية، وتفاجأ تمامًا بما نُسب إليه من تصريحات. وتدل تلك الافتراءات على أنّ من يقوم بها إنما يريد أن يُظهر للقراء، أنّ هناك من يُعارض السياسات العمانية في الداخل، تارةً بتأييد أو معارضة جماعة الإخوان، وتارةً بمعارضة العلاقات العمانية الإيرانية، وتارةً أخرى بالوقوف ضد دولة قطر وهكذا.

إنّ قصة الفبركات هذه ليست جديدة؛ فعندما توسطت السلطنة بين إيران وأمريكا، نشرت صحيفة "العرب" الصادرة في لندن في عدد 30 يوليو 2015 تقريراً عنوانه "إيران تسعى لإرباك علاقة سلطنة عُمان ببقية دول الخليج" افتتحته بهذه العبارة: "حذّر متابعون للشأن العُماني من أنّ إيران تخطط لإبعاد سلطنة عمان عن عمقها الخليجي، وليس استغلال دورها كوسيط لإصلاح العلاقة المتوترة مع دول مجلس التعاون". ونسبتْ لمحللين مجهولين القول "إنّ تصرفات طهران تجاه مسقط تعكس حالة "التدمير الذاتي" التي تعيشها إيران الآن، لافتين إلى أنّ استمرار إيران في هذا السلوك الضاغط تجاه عُمان سيضعها في موقف محرج أمام حلفائها الخليجيين." وكانت المفاجأة أن تنسب الصحيفة قولًا لزاهر المحروقي الذي وصفته بأنه محلل عماني، وهو "إنّ السلطنة هي عبارة عن زورق نجاة بالنسبة لإيران في علاقتها مع الخليج، وعليها أن تقفز إليه إذا كانت صادقة النوايا، وإنّ إيران هي الشر من وجهة نظر الكثيرين في المنطقة، هي وحلفاؤها. من الصعب بعدما حدث في اليمن وسوريا أن تقدِّم إيران وحزب الله والحوثيون أنفسهم كدعاة لنصرة القضايا العربية". وأنا شخصيًا لا أعرف هل أنا المقصود أم لا، مثلما لا أعلم هل المقصود بذلك التصريح سعادة أحمد الفلاحي أم غيره؟ إلا أني لا علم لي بتصريح كهذا لا من قريب أو بعيد وهو محض افتراء. فما أقوله في مجالسي الخاصة هو الذي أقوله عندما التقي أيّ مسؤول في الدولة، وهو ما أكتبه في مقالاتي منذ بدايتي في الكتابة في جريدة "الشبيبة" عام 2007 وحتى اليوم. وإذا كان نسبُ كلام يتوافق مع رأيي ولكني لم أقله يُعتبر خطأ فما بالك بكلام يتعارض مع كلِّ ما أكتبه طوال السنوات العشر الماضية؟!

لا يُمكن أن أنضم إلى الركب الخليجي وأعتبرُ أنّ حركة حماس هي حركة إرهابية، رغم أني سبق لي وأن كتبتُ أنّ الحركة أخطأت عندما تخلت عن الحليف السوري واتّجهت إلى الدوحة، لأنّ سوريا هي التي تبنَّت حركات المقاومة كلها. أما عن حزب الله، فقد كتبتُ مقالًا في جريدة "الرؤية" مباشرةً بعد قرار مجلس التعاون ومجلس وزراء الداخلية العرب باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وكان عنوان المقال هو "حزب الله.. ليس منظمة إرهابية"، ذكرتُ فيه رأيي في حزب الله، بأنه حزبٌ وطنيٌ مقاوم. ولا بأس أن يختلف معي القراء فأنا لا ألزم رأيي أحدًا ولا أمثِّل أحدًا، وإنما أكتب ما أعتقده وهذا حقي مثلما هو حق من يختلف معي. أما بخصوص إيران، فقناعتي هي أنها دولةٌ جارة، ولها ثقلها ويجب أن تكون العلاقات معها علاقات إستراتيجية؛ وإذا كانت لإيران طموحاتها - وهذا حقها طبعًا – إلا أننا نذكر أنها هي التي أخمدت التمرد الشيوعي في عُمان، وقدَّمت تضحيات، وما إن أنهت مُهمتَها خرجت دون أن تتدخل في الشأن الداخلي العماني، ولم تطالب بريال واحد. وإيران في الواقع تشكِّل عمقاً استراتيجياً لعُمان أمنيّا وعسكريّا وسياسيّا واقتصاديّا. ولا مجال للدخول في عداء معها لحساب الآخرين. والواجبُ يحتِّم الاستفادة من كلِّ ذلك، بل وأرى أنّ العداوة بين السعودية وإيران هي عداوة مفتعلة ويجب أن تنتهي لمصلحة دول المنطقة والأمة بأسرها؛ فهناك شعوبٌ بريئةٌ دفعت ثمنًا باهظًا للصراع بين الدولتين، وتلك العداوة لا تخدم إلا المصلحة الإسرائيلية في المنطقة.

ومن الفبركات أيضًا؛ فبركةُ خبر تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين عن طريق الأراضي العمانية، وهو ما نفته وزارة الخارجية العمانية، والتي أوضحت أنّه تمت مناقشة هذه القضية مع عدد من دول التحالف والولايات المتحدة وبريطانيا، وتم تفنيدها والتأكد من عدم صحتها، وكأنّ من لم ينضم إلى التحالف ضد اليمن هو بالتأكيد مهرب للأسلحة. وفي رأيي أنّ الحوثيين مكوَّن من مكوَّنات الشعب اليمني لم يعتدوا على أحد. ولو صُرفت ربع المبالغ التي صُرفت على الحرب ضد اليمن في تنميتها ربما كانت اليمن مزدهرة الآن.

إنّ خير ما أختم به مقالي هذا هو من جميل ما قرأتُ عن حكاية الفبركات؛ وهو ما كتبه صديقي سليمان المعمري مشكورًا، في صفحته في الفيس بوك بتاريخ 24 يوليو 2017، بعد أن كشف أمرها وفنّد ما جاء في تلك الفبركات، - كما يفعل الآن في قصة انتحالات الكتّاب، ممّا جعلهم يعيشون في رُعب – كتب "إنّ مثل هذه الفبركات سترتد مع الزمن على أصحابها؛ ففي النهاية حبل الكذب قصير. لكن ستظل تسم بالعار والخزي إعلامَ دول لم تستطع إقناع شعوبها بسياساتها، فلجأت إلى أسلوب الفبركات والتشويه وليّ الحقائق. ولأنّ الإعلام هو واجهة أيِّ دولة، فإنّ صدقه من صدقها وكذبه من كذبها.

"وإذا أصيب القوم في (إعلامهم) / فأقم عليهم مأتماً وعويلًا". مع شديد الاعتذار لأحمد شوقي على التصرف في بيته.