المعتصم البوسعيدي
في مكانه - لا زال - منذ سنوات خلت، مقهى في نيابة سناو بولاية المضيبي طلبت منه "ساندويتش" بعد عشرة أعوام تقريبًا من آخر طلب، وما إن بدأت أكل "الساندويتش" حتى أعادني طعمه لتلكم الأيام، وفي موقع آخر في إحدى ولايات السلطنة -أيضًا- وبالتحديد في ولاية بدية توقفت مع مقهى احتفظ بمذاق ما يقدمه منذ أمد بعيد، وفي كليهما يوجد زبائن كُثر، بل إن ثمة زبائن قُدامى يحرصون على أخذ الزاد منهما، والأمر بالتأكيد ليس سهلاً ويتطلب ثباتًا على مستوى تقديم الطعم الشهي ومستوى الخدمة الجيّدة مهما مرّت السنون واختلفت الوجوه، ومثل هذه المقاهي موجودة هنا وهناك.
إنّ العمل الرياضي يحتاج للثبات كأنما لا عمل غيره يحتاج لذلك؛ حيث التنافسية والزخم وعجلة التغيير والتطوير وقوة الإعلام وأجندة الساسة التي تتخذ منه عامل جذب ووسيلة تمرير غايات بشكل وبآخر، وكلنا رأينا التراشق الحاصل بين نجمي ريال مدريد وبرشلونة سيرجيو راموس وجيرارد بيكيه، وما حصل كان سيبدو عاديًا ولا يحتاج لتدخل مؤسسة النادي لولا المساس بسمعة نادي ريال مدريد والذي علق على تصريحات بيكيه المشككة في بطولات النادي الملكي وقيمه، وهدد بحزم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لردعه؛ فالخوض في القيم والثوابت لا تهاون فيه ولا مساومة وترك "الحبل على الغارب" يهز من قيمة النادي وإرثه "ومن يخسر قضاياه الصغيرة؛ سيخسر كل قضاياه"!!.
الثبات الذي نتحدث عنه يحتاج - أيضًا - للتطوير لكنّه تطوير الحذر من خسارة قيمته الثابتة، وفي واقعنا الرياضي بالسلطنة وخاصة المتعلق بالأندية نجد أنّ الثبات نفسه عنصر متغير ومقرون في كثيرٍ من الأحيان بالأشخاص، فهل نطلب المستحيل إذن نقول نحتاج لثبات كثبات "المقاهي"؟! حتى نستطعم مذاق النادي مهما تقادمت الأيام وتداولها الناس على اختلافهم، ومهما كان حجم المنجز؛ فالعبرة هنا بثبات الكيان وديمومته بالصورة التي لا تأتيك بإحساس العدم من وجوده، وهذا الحاصل للأسف.
يتحدث الوسط الرياضي بجميع فئاته عن سر الحضور الجماهيري في بطولات الفرق الأهلية، الأمر يقع - في اعتقادي - في قيمة الانتماء، والتي يقاس بها ثبات الوجود، فالفريق الأهلي قريب من الناس؛ حيث إحساسهم أنّه منهم وإليهم يجعلهم يستطعمون مذاق انتصاراته وانكساراته، وعلى هذا يتبادر هنا سؤال. هل نجحت الأندية في استثمار فرقها الأهلية؟! إن اللائحة التنظيمية المنظمة لعلاقة الفرق الأهلية بالنادي والتي تُعتمد بصفتها النهائية من وزارة الشؤون الرياضية - وحسب تجربة شخصية - يشوبها الكثير من علامات الاستفهام في التطبيق وفي دور الوزارة نفسها عند تطبيق اللائحة، ثم إنّ من باب إنصاف "المنظرين" نجد هناك تباينا واضحا لتطبيق أي تنظير لواقع الأندية، بل إنّ هناك من يحاول استعراض عضلاته بفهمه واقع النادي من باب معايشته، ولعمري ما أورثت معايشته إلا "زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ"!!
لا يقتصر الأمر على الأندية؛ بل يتعداه لكثير من المؤسسات الرياضية التي لا تعمل وفق سباق "التتابع" حتى وإن رأينا إنطلاقة جيدة يبقى التسليم غير صحيح وينتابه توتر ووهن، والخلطة التي يتقنها "المقهى" لتحافظ على مكانته مهما كان "الطباخ" لا يمكن أن تستمر لولا نجاح تسليم "سر المهنة" وحتى ينطبق ذلك على رياضتنا سنقول: نحتاج مقهى الثبات؛ لتستقيم الأمور.