إلغاء الأندية

يوسف البلوشي

بَعْض الأندية لا جَدْوى لها سوى أنها مقار للاستهلاك المادي ومأوى للتنافس والخصام، وإثارة النزاعات الشبابية، وصورة لأحد أوجه الاختلاف الفكري وآثاره المختلفة. حيث إنَّ الكثير منها في بعض الولايات لا يكاد يبعدُ عن بعضها سوى كيلومترات بسيطة، ولا تخدم سكان مناطق القرى والأحياء البعيدة عن مراكزها الموجودة فيها، بل إنَّ الكثيرَ من الأندية تستنزف الموارد الطبيعية والمالية، وتصبح عبئًا على الحكومة، وأيضاً على نفسها وتصل إلى المديونيات الطائلة.

لا أرى ما هي القيمة والجدوى من وجود عدة أندية في ولاية واحدة، لا تخدم سوى أحياء بسيطة والقريبين منها، في ظلِّ تنامٍ في مواهب الشباب واتساع رقعة البعد الإسكاني واختلاف طاقات ومواهب الشباب.

وتجدُ على يافطات بعض الأندية "النادي الفلاني الرياضي الثقافي الاجتماعي" في حين أنه لا يخدم سوى رياضة كرة القدم فقط، ولا يسعى لتنمية أي رياضات أخرى، ولا ينمي حتى المواهب الثقافية ولا الاجتماعية. وتمتد النزاعات والاختلافات في مجالس إدارات هذه الأندية لتصل إلى المشجعين والمدربين والأجهزة الفنية حتى يسقط النادي وتهوى بطولاته التاريخية، بل وتسقط جدرانه ومرافقة وتثقل فواتيره في الماء والكهرباء والإيجار إن وجد، بل ولا تجد حافلة النادي مبلغا للوقود لكي تتحرك، وتزداد حسرة المحبين للنادي والمحيطين به.

وفي أعوام سابقة، بادرتْ وزارة الشؤون الرياضية لطرح فكرة اندماج بعض الأندية، ووفرت لذلك البيئة المناسبة، اندمج من اندمج، وظل بعضها مُتشبثا بتاريخ قديم لم يستطِع أن يعيده، بل أصبحت فاتورة التاريخ مُثقلة بالدروع والصور على الحائط الذي يحتاج تهيئة ودهان الجدران ونفض غبار الزمان عنها.

دخلتُ أحد الأندية التي يفترض أنها وجهة للشباب ومقصدا لهم، فلم أجد سوى طاولة كرة القدم (البيبي فوت) وبدون كرات، وطاولة كرة تنس وحيدة أيضا بين ردهات القاعه وبين كراسي النادي المتهشمة.

يبلغ عدد أندية السلطنة متفاوته تقريبا 42 ناديا على مستوى 11 محافظة و62 ولاية، عدد كبير من الأندية مقابل إنجازات بسيطة لهذا العدد الكبير، ومديونيات متراكمة لبعضها وفواتير متأخرة، وخلافات ممتدة، ومصروفات جارية غير متوقفة، ودعم مستنزف دون جدوى، وعدد كبير من الشباب غير مستفيدين من الخدمات بسب التوزيع الجغرافي والاحتكار المؤسسي لبعض الأندية.

... إنَّ فكرة تحويل بعض الأندية لمراكز رياضية ثقافية عامة لأبناء المحافظات والولايات سيفتح بكل تأكيد فائدة عظمى لنشر الوعي الرياضي والثقافي، وفتح مجال لممارسة الألعاب المختلفة، بل والاستعاضة بأدوار المجمعات الرياضية التي سعت الحكومة لإيجادها كبدائل للضغوطات التي تعانيها الأندية، ومتنفسا للشباب الذين يرون في تنمية مهاراتهم منفذا بعيدا عن تعثر بعض الأندية.

إنَّ تقليل الأندية سيفتح بلا شك المجال لتوظيف إمكانيات الشباب نحو الأفضل، وتسخير إمكانياتهم بالصورة المحمودة، وتوفير القاعات المناسبة لممارسة النشاط الثقافي والاجتماعي، بل والرياضي، في صورة المختلفة البسيطة.

فالفاتورة الممتدة لبعض الأندية اصبحت مُثقلة على المجتمعات قبل الحكومة؛ حيث إنَّ قيام عدد كبير من أبناء المجتمع بدعم الأندية والمساهمة يذهب لسداد الفواتير المتراكمة وسد العجز الحاصل نتيجة تجميد بعض الأندية للنشاطات، وأيضا استنزاف مواردها في غير الوجهة الصحيحة لبناء الطاقات، بل وسيخلق ارتياحا كبيرا لدى عدد كبير من أبناء الولايات القاطنين في المدن البعيدة وعلى ضواحي البلدان.

ورغم مُعالجات جهات الاختصاص لتوفير أراضٍ للأندية ومبالغ وحافلات ودعم من القطاع الخاص وفتح باب الاستثمار، إلا أن النتيجة لا تزال في ركود لجوانب انتعاش النشاط الرياضي والثقافي؛ حيث يكاد لا ترى في الكثير من الأندية مكتبة بسيطة ولا مركز معلومات يجد فيه ابن المجتمع ضالته في حال أراد القراءة، وكأنَّ هذا خارج نطاق اختصاص الأندية.

أرجو من جهات الاختصاص والحكومة إعادة النظر في تحويل بعضها لمراكز رياضية، أو إيجاد بدائل لدمجها بديلا عن استقطاعها لمساحات كبيرة وشاسعة وسط الأحياء دون جدوى، في وقت يُريد فيه أبناء الولاية إنشاء ما يعود على المجتمع بفوائد؛ سواء إسكانية أو ثقافية.