لقاء مع الرئيس

 

 

زينب الغريبية

"جوليني جاكينسكي" مواطنة أمريكية سافرت عبر مطار "أنكوريج الدولي" بولاية آلاسكا الأمريكية؛ وهي على كرسي الانتظار وتحمل في يديها طفلتها الرضيعة، شاهدت رجلا أسمر يبدو عليه بسيطا، ويختلط لون شعره الأسود بالأبيض، وقد لاحظت الشبه الكبير بينه وبين الرئيس الأمريكي الأسبق (أوباما)، ولكنّها استبعدت أن يكون هو، فكيف لها أن تكون مع رئيس للولايات المتحدة حتى ولو كان سابقا في رحلة سياحية واحدة..

التقت عن طريق الصدفة بالرئيس الأمريكي السابق "أوباما"، إلا أنّ الفضول لم يسمح لها إلا أن تقترب منه لتتأكد إن كان هو أو شبيه له، وعندما رأى "أوباما" الفضول الذي بعينيها، وطريقة تقرّبها منه، ابتسم، ثم اقترب منها وبادرها بالحديث سائلا: "من هذه الفتاة الجميلة"؟

وكانت المفاجأة أن هذا الذي يقف بجانبها هو فعلا الرئيس السابق أوباما، ولم يأنف من الحديث معها، فقد كان حديثهما عن الأطفال، وكيف أنّهم يكبرون بسرعة، وقد التقط له بعض الصور مع الرضيعة التي أصبحت حديث كثير من وكالات الأنباء عبر العالم؛ لأنّ الذي كان يحملها هو أوباما الرئيس السابق، وقد قالت هذه السيّدة إنّ مدة المحادثة كانت لخمس دقائق لكنها لن تستطيع نسيان ذلك اللقاء المؤثر رغم قصر مدته.

يعيش الناس في بعض البلدان في العالم ولا يحلمون بلقاء الرئيس ولا حتى الاستماع إليه، فالحاكم رغم أنّه إنسان، ويحمل كل المشاعر التي يحملها كل إنسان، ولكنّه يعيش في عزلة كاملة عن شعبه، لا يعرفون عنه شيئًا إلا أنّه "يسهر من أجل صالحهم"، ولكن في مناطق أخرى من العالم يعد ذلك ممكنا، فالرئاسة هي وظيفة مؤقتة يقوم بها أحد أفراد الدولة ومن ثمّ يعود فردًا عاديًا يحمل لقب "رئيس سابق"، وبالتالي يمكن أن يلتقي به النّاس في قاعة المحاضرة بالجامعة يستمعون إلى رؤيته حول شؤون البلد أو العالم، ويمكن خلال ذلك أن يقوم طالب بسؤاله سؤالاً صعباً لا يجد الرئيس غضاضة في تقبله والإجابة عنه بالدبلوماسية التي تعطي وعودا.

 ويمكن أن يلتقي به أحد وهو يتناول وجبته في أحد مطاعم الوجبات السريعة، يجلس بهدوء وبساطة ولا يأكل بسرعة خشية أن يدخل عليه أحد يعرفه، أو يأخذ إجراءات أمنية متشددة، أو أن يتضرر "برستيجه" فقد كان أعلى رتبة في الدولة، ويقول ما بال هذا الرئيس عاد يأكل في مثل هذه الأماكن التي لا يتعدى ثمن الوجبة فيها ستة دولارات، ولن تجد شخصا يرى أنّ ذلك عار على البلد، فالرئيس السابق ليس بمقدوره أن يذهب إلى المطاعم الغالية.

ويُمكن أن يلتقي به أحد يجلس في كافيه يقرأ كتابا ويلقي التحيّة عليه ويُقدّر أنّ الرئيس لديهم يقرأ ويتابع الكتب الجديدة، وبالتالي يشعر باطمئان أنّ من كان يحكمه كان إنسانًا قارئًا مثقفاً يؤمن بأنّ الرئيس لابد أن يقرأ لأنّه لا يحكم شعباً جاهلاً، ولا يسوس أناسا لا يفقهون، أو يمكن أن يلتقي به في المطار يعود إلى السفر كما يسافر مواطن عادي لأنّه لم يخرج بثروة كبيرة تتيح له أن يشتري طائرة خاصة يتنقل بها بعيدا عن السفر مع الأفراد العاديين.

ولو ادعى فرد لدينا بأنه التقى برئيس بلده السابق لن يصدقه أحد، لأنّه لا يوجد في المجتمعات العربية رئيس سابق، فهم إمّا يحكمون وإمّا أن يأتي غيرهم بعد وفاتهم، وإن وُجد فإنّ الهيلمان يرافقه حتى وفاته، أمّا إذا أخبرنا أحد بذلك من المجتمعات الغربية فلاشك أننا سنصدقه، ولن نستغرب؛ وهذا ما حدث مع جوليني، وليست هي الوحيدة التي حدث لها ذلك.

لكن الغريب أنّ اللقاء يتم بين مواطنين ورؤساء سابقين، والحوار يكون لطيفا، وفي مواضيع عابرة قد تكون وليدة الموقف، ماذا لو تمّ هذا اللقاء بين مواطن عربي ورئيسه؟ عمّاذا سيكون الحوار يا ترى؟ وماذا سيطلب المواطن من الرئيس؟ وكيف سيبدو الحديث؟ وكم سيستمر هذا الحديث؟.