الهند وإسرائيل.. زواج في الجنة وإنجاب في الأرض!

 

زاهر المحروقي

إسرائيل تتوسع وتتقوى وتحقق نجاحات سياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية؛ فيما العربُ مشغولون برصف الطريق لها كي تحقق كلَّ تلك النجاحات، لأنّهم منهمكون في تدمير بعضهم البعض على حساب أعدائهم، حتى اختفى مفهوم "الأمّة" من النّاس؛ فلم تعد هناك أمّة ولم يعد هناك هدف يجب تحقيقه، ولم تعد هناك قيادة تقود الشعوب العربية، بغياب الدول الرئيسية الفاعلة، التي ذهبت ضحية المؤامرات العربية، ممّا جعل أمر العرب بيد أناس، فضيلتُهم الوحيدة أنّهم يملكون المال لا غير، والذي بذروه في تدمير العراق وليبيا وسوريا واليمن، وفي التضييق على الشعب الفلسطيني وعلى حركات المقاومة العربية الشريفة في كلِّ مكان، وكذلك العمل على تحويل الأنظار إلى قضايا أخرى مثل تصوير إيران بأنّها العدو الأول للأمة وليس الكيان الصهيوني.

تلك المقدمة كانت ضرورية لوصف الحالة العربية، حيث العرب غارقون في حروبهم وصراعاتهم البينية؛ فيما تسجل إسرائيل انتصارات على العرب مع أقرب حلفائهم بالأمس، مثل الصين والهند وإسبانيا، ومع دول القارة الإفريقية والآسيوية التي كانت تؤيد القضايا العربية. وكان آخر هذه الانتصارات، "الزيارة التاريخية" لناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي للكيان الإسرائيلي، التي بدأت في الرابع من يوليو 2017 على مدى ثلاثة أيام، وهي الزيارة الرسمية الأولى لرئيس وزراء هندي لإسرائيل، والتي نجح فيها في عقد اتفاقيات غطت الأرض والفضاء، وهي مسائل لا يفقه فيها العرب، إذ شملت هذه الاتفاقيات تعاوناً بين إسرائيل والهند في مجالات شتى، منها إنشاء صندوق هندي إسرائيلي للابتكار في مجال البحث والتطوير والتكنولوجيا؛ هذا غير التوقيع على ثلاث اتفاقيات تخص مجال الفضاء، منها مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال شحن الأقمار الصناعية الصغيرة، ومذكرة تفاهم بخصوص التعاون في مجال الروابط البصرية، وخطة لإقامة تعاون في موضوع الساعات الذرية. أمّا فيما يخص الأرض فقد تمّ توقيع اتفاقية لإعداد خطة عمل لمدة ثلاث سنوات من أجل إقامة تعاون في تطوير الزراعة بين البلدين، وإصلاح خدمات المياه في الهند، هذا غير الاتفاقيات العسكرية التي تبلغ المليارات، إذ وقع الطرفان اتفاقية لصفقة أسلحة ضخمة، بقيمة 1.6 مليار دولار سبقت هذه الزيارة بأسابيع قليلة وشملت صواريخ وذخائر إسرائيلية. وإلى جانب كلِّ ذلك، تم توقيع اتفاق للتعاون في مشروع قيل عنه إنّه اجتماعي وإنه الأول من نوعه، وهو عبارة عن إقامة شبكة دولية هدفها تنمية القيادات من كلِّ أنحاء العالم.

جاء ازدهار العلاقات بين الهند وإسرائيل، على حساب العلاقات الهندية العربية أولاً، ثم جاء على حساب المبادئ التي آمنت بها الهند؛ وهي الوقوف مع الحق العربي في كلِّ المحافل. وما يؤلم أنّ ازدهار هذه العلاقة، جاء بسبب ضعف العرب، ولغياب استراتيجية واضحة المعالم لديهم، ولغياب التخطيط السليم وعدم استشراف المستقبل، ولغياب تأثير العرب. فماذا يملك العرب أن يقدموه للعالم؟ فلم يكن أمام الهند إلا أن تنظر لمصالحها، لأنّ لغة المصالح هي اللغة المعتمدة في السياسة وليست لغة العواطف والشعارات. والهند في هذا ليست بدعاً من الدول؛ فكثير من دول العالم الصديقة للعرب اتجهت الاتجاه نفسه، وأقامت علاقات استراتيجية مع إسرائيل على حساب العرب، بعد أن أقام العرب أنفسهم علاقات مباشرة مع إسرائيل، ممّا شجع أطرافاً دولية عديدة كانت متحفظة، على تجاوز هذه التحفظات والدخول في علاقات مباشرة معها؛ وحجةُ كلِّ من يقيم علاقات مع إسرائيل تكاد تكون واحدة وهي: لماذا لا نقيم علاقات مع إسرائيل إذا كان العرب أنفسهم يقيمون علاقات واتصالات معها، مثل مصر التي قادت الحروب ضد إسرائيل، ومثل الفلسطينيين أنفسهم، هذا بخلاف الدول الخليجية التي تمهِّد الآن للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي عبر لقاءات شبه رسمية، وعبر الجيوش الإلكترونية الجرارة. وهذه النقطة أشار إليها خوان كارلوس ملك أسبانيا السابق في حديث مع الراحل محمد حسنين هيكل في العاشر من مارس عام 1983، عندما قال له: "هناك دول عربية اعترفت بإسرائيل ولا تستطيع اسبانيا أن تظل معلقة في الهواء؛ والاعترافُ بإسرائيل أصبح ضرورة عملية لغسبانيا التي تريد دخول السوق الأوروبية؛ ودخولُها في السوق ضروري ليس فقط لازدهارها ولكن أيضاً لاستقرارها".

يحق لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أن يفخر بزيارة مودي لإسرائيل، ويحق له أن يصف يوم توقيع تلك الاتفاقيات بـ "اليوم الكبير"، فما تحقق هو إنجازٌ يُحسب لإسرائيل. فدولةٌ بحجم الهند عندما تقيم علاقات استراتيجية مع إسرائيل ولا يتم الإشارة في البيان الختامي إلى قضية فلسطين ولا إلى حلِّ الدولتين، ولا يهتم الضيف بزيارة رام الله حتى مجاملة، فهذا انتصارٌ كبيرٌ لإسرائيل، وهزيمةٌ كبيرة للعرب إذا كانوا أصلاً يعلمون أنّ مودي قد قام بهذه الزيارة وأنّ نتنياهو استقبله استقبال الملوك، واصفاً الزيارة "إنها لحظة مؤثرة جداً بالنسبة لي من الناحية الشخصية والوطنية والدولية. أشعر بأنّ الهند وإسرائيل تُغيّران وجه عالمنا، وفي الحقيقة إنّها زيجة عُقدت في النعيم، ولكننا نطبقها هنا على وجه الأرض بين ديمقراطيتين شقيقتين".

من الأمور المضحكة في السياسة العربية، أنّ وزير خارجية جمهورية جزر القمر التقى بوزير الخارجية الإسرائيلي قبل سنوات، وحصل على عروض من إسرائيل بإقامة استثمارات وصناعات كبيرة في جزر القمر، فكان أن ثارت الثائرة العربية على تلك الدولة التي انضمت حديثاً إلى جامعة الدول العربية (عام 1993)، ظانة بسذاجة أنّ عرى الروابط الدينية تكفي لإقامة المشاريع فيها، فتراجعت جزر القمر عن ذلك، وها هي تعيش مأساة اقتصادية كبرى. فماذا لو أنّها فعلاً أقامت علاقات مع إسرائيل؟ وعندما قدمت مؤسستان إيرانيتان المساعدات الإنسانية لجزر القمر أثيرت ضجة كبرى حول الموضوع، وصلت إلى اتهام الرئيس القمري السابق أحمد عبد الله سامبي بالتشيع. والغريب في الأمر أنّ النخوة العربية تحركت ضد جزر القمر، ولكنها لا تستطيع أن تتحرك ضد الدول المهمة مثل الصين والهند وأسبانيا وغيرها من الدول. وماذا الآن عن الدول الخليجية التي تتسابق إلى التعاون مع إسرائيل فوق الطاولة؟!.

قلت لأحد الأصدقاء إنّ زيارة مودي لإسرائيل مؤلمة؛ وقد سألني هذا الصديق أيّهما أكثر إيلاماً، زيارة رئيس وزراء الهند أم تسابق العرب نحو إسرائيل؟!. قلت له إنّ الزيارة لم تتم إلا لأنّ حالة العرب قد وصلت إلى الحضيض؛ فقد استطاع الزعيم جمال عبد الناصر أن يفرض على قيادات العالم التاريخية أن تقاطع إسرائيل ولا تقيم معها علاقات رسمية؛ مثل شو إن لاي في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند، الذي كان متحمساً لمشاركة إسرائيل في قمة "باندونج" عام 1955، والتي أسست لحركة عدم الانحياز، حيث وُجِّهت الدعوة فعلاً لإسرائيل للمشاركة في القمة، إلا أنّ نهرو اضطر إلى سحب الدعوة من إسرائيل، بعد أن وُجِّهت لها، لأنّ عبد الناصر رفض تلك المشاركة، وهدد بمقاطعة المؤتمر في حال مشاركة إسرائيل، وبالتالي فإنّ الدول العربية الأخرى ستقاطعه. فرضخ نهرو ومن معه للأمر الواقع.

 يقول الكاتب ناحوم برنياع في مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 7 يوليو 2017، إنّه سأل الصحفيَّة الهنديَّة، جيوتي ملهوتارا، وهي محررة مسؤولة في الصحيفة الهندية "إنديان أكسبرس": ما الذي يبحث عنه مودي في إسرائيل؟ فقالت "إنّ مودي يسعى إلى تحقيق الاعتراف بأنه ينتمي الى الطرف الجيد في محاربة الإرهاب، أي في الصراع ضد باكستان. وهو يريد تقليدكم، بعمل يشبه ما فعلته إسرائيل عندما قررت ضم الجولان. فقد كانت لإسرائيل الجرأة لفعل ذلك رغم انتقادات الغرب. وهو يطمح أيضاً إلى إدارة ظهره للانتقاد الدولي وفعل ما يشاء؛ وبصياغة فظة هو يريد أن يكون هندياً مع جرأة يهودية".

لا تلام الهند ولا الصين ولا الدول الإفريقية والآسيوية ولا دول أمريكا الجنوبية إذا تسابقت لإسرائيل؛ فالعربُ هم السبب الرئيسي لابتعاد العالم عن التعاطف مع قضيتهم الرئيسية؛ لأنّهم أشغلوا الناس بتوافه الأمور، وبخلافاتهم وحروبهم التي لا تنتهي والتي ليس لها ما يبررها، وإنّما هي تنبع من تقلب الأمزجة فقط. وإذا كانت إسرائيل تملك ما تقدمه للعالم، فماذا يمكن للعرب أن يقدموه للعالم؟. إنّهم عالة على البشرية، وكارثة على الإنسانية، وهم خارج التأثير وخارج التاريخ وخارج الحضارة، حتى وإن كانوا يسمون أنظمتهم بالدول؛ فالدولةُ الحقيقية ليست فقط قماشاً يرفرف على الهواء، ونشيداً يُعزف في المناسبات.