د. عبدالله باحجاج
كلُّ شيء في محافظة ظفار يجعلك تبتسم هذه الأيام: الضباب والرذاذ، والأمطار، ونسمات الهواء العليل، وانخفاض درجة الحرارة إلى 25، وفي الريف...إلى ما دون ذلك، سنبتسم -بكل تأكيد- رغم ما بداخلنا من حزن عميق على أوضاعنا الخليجية والعربية، ومآلاتها، سنبتسم من القلب -حقيقة- لأن ما فيها من وجوه متعددة، تدعو للابتسامة فعلا، إنْ لم تكن ظاهرة، فهى معنوية بالتأكيد.
فظفار تعيش الآن تجليات ربانية محسوسة بكلِّ الحواس، وبكلِّ لغات ولهجات العالم، فمنذ أن تدخلها سيدهشك منذ الوهلة الأولى اخضرار الأرض في السهول والجبال، وانخفاض درجة الحرارة، وفي أصدق تجليات إحساسنا بهذه الطبيعة الاستثنائية في مكانها وزمانها، لجوء بعض العواصم الخليجية إلى رش الحجر والبشر بالمياه من شدة الحرارة التي تجاوز 60 درجة مئوية، بينما في ظفار يتساقط الرذاذ والأمطار الخفيفة على مدار ثلاثة أشهر مُتواصلة، وفيها كذلك تحتجب الشمس وراء الضباب في معظم هذه الفترة الزمنية، وإن ظهرت الشمس، وذلك لدواعي حاجة البشر والأرض للدفء قليلا، أو لكي تكسو الأزهار بألوانها المختلفة فضاءنا المخضر على امتداد البصر.
فأهلا بالأشقاء من زوار وسائحين من بقية محافظات البلاد ومن أهلنا في الخليج العربي، وكل المؤشرات تشير إلى أنَّ خريف عام 2017 سيكون مميزا من كل النواحي -إن شاء الله- طبيعة ساحرة بكل مظاهرها وتجلياتها، وتوافد السياح بصورة غير مسبوقة، وأهم هذه المؤشرات الارتفاع الكبير والملحوظ في أعداد السائحين والزوار حتى الآن، وفق ما كشفه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ حيث أوضح أنَّ عدد الزائرين والسياح خلال العشرة أيام الأولى من خريف 2017 زادوا بنسبة 176% مقارنة بالفترة ذاتها من خريف 2016، وقد بلغ عددهم 21.893 ألف في عشرة أيام فقط، ومن كلِّ الجنسيات وتحديداً الخليجية، وهذا الارتفاع قد جعل من بلدية ظفار تتوقَّع أن يرتفع عدد السياح والزوار خلال فصل الخريف الحالي أكثر من مليون سائح، مقارنة بأكثر من 700 ألف سائح الخريف الماضي، وهذا يعني أن حركة السياحة الخليجية خلال موسم الخريف لن تتأثر بأزمة الأشقاء، فقد التقينا أشقاء من السعودية وقطر والإمارات في مقهى أحد المراكز التجارية الكبيرة في صلالة، وما يسود بينهم من ود وحميمة، يناقض ما تكتبه بعض الأقلام في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا هو الصحيح؛ فالسياسة، وصراعاتها، وإفرازاتها، لا يجب أن تنفذ إلى عُمق الأواصر الأخوية وروابطهم الاجتماعية الممتدة داخل جغرافيات الدول الست، وهذا يعني كذلك أنَّ حملات زراعة العداء بين الشعب الخليجي الواحد، لن تنجح رغم ما تتعرض له بعض مكونات هذا الشعب من إكراه قسري في إظهار العداء.
ورغم حالات الود والمحبة بين الأشقاء، إلا أنَّنا نخشى من بعض السلوكيات غير الملتزمة بحيادية المكان، وبأدبياتنا العُمانية في التعامل مع الأشقاء في الأزمات على وجه الخصوص. ففي الأزمات، سياستنا عدم التأجيج والإثارة، لا المساهمة فيها بفعل أو قول، مهما تم استفزازنا، وإنما تهدئة الأمور من أجل الوصول إلى الاصلاح بينهم، على اعتبار أن الكل أخوة، والكل متضرر من الأزمة، وحتى تدخلنا فيها منذ البداية يكون لدواعٍ إنسانية، دون أن تحسب لطرف على حساب آخر. وهنا، ينبغي الحذر من بعض السلوكيات السياحية التي تنقل معها عواطفها الجياشة تجاه بلادها من أزمة الاشقاء، فلا ينبغي السماح لها بأن تكون بلادنا ساحة لتفجير احتقاناتها، أو نقل صراعاتها الإعلامية والاجتماعية إلى داخلنا، أو يخرج خريفنا السياحي عن مضامينه وأهدافه السامية، كملتقى للتعايش العائلي في رحاب الطبيعة الخضراء وهوائها ونسماتها الساحرة. إنَّها طبيعة تحمل كلَّ مُقوِّمات السلام؛ فمن يدخلها، فهو آمن، وسيظل كذلك في ربوعها ما دامت الطبيعة قد سلمت من لسانه ويده، ومن يدخلها ويحاول أن يعبث بسلامها الجامع لكل الخلاف والاختلاف، فلا مكان له في أحضانها.
هذه رسالة عاجلة نبعث بها لداخلنا أولا، وكل من يقرئها من الزوار والسائحين الآن ثانيا، رغم استهدافنا للأول أولا، تحسبا لانتقال العواطف السياسية مع السائح الخليجي، والتي قد يعبر عنها بعبارات في سيارته أو يحاول أن يعبث كتابة في بعض المواقع السياسية، مما قد يُثير حفيظة أشقاء له جاءوا ليستمتعوا بالمكان، ويستسلموا لمشاهده ومشاهداته، هروبا من حر الخليج، وضجيج المدن.
من هنا، ندعُو المؤسسات المعنية بقطاع السياحية في محافظة ظفار، وتحديدا بلدية ظفار ووزارات السياحية والهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون والإعلام إلى أنْ يكون شغلهم الشاغل منذ الآن: وضع برامج توعوية وإعلامية، وإعداد إصدارات توضِّح محظورات المكان: الثابتة والمستجدة بسبب ظرفية الخلاف بين الأشقاء في الخليج.
كُنَّا قد اقترحنا في مقال سابق في خريف 2016، إنشاء الشرطة السياحية لمثل هذه الحالات، فقد يقوم بعض السائحين بكتابة عبارات استفزازية في المواقع السياحية المعروفة، وأماكن التنزه، التي تشهد طوال فترة الخريف حركة نشطة يوميا، كمواقع العيون والريف والمواقع التاريخية والأثرية والمقامات الدينية، وهذه المواقع تحتم الآن أنْ تكون فيها الرقابة والمتابعة دائمة، وتحتم قبلها إصدار قانون يُعلم به السائح والزائر علمًا يقينيًا من قِبَل وسائل الإعلام ومن منافذ دخوله البرية والجوية، ويتحتم بعدها وجود أطر وكوادر في الميدان تسهر على تطبيق القانون، وهو يتجلى في اقتراحنا سالف الذكر، وهذه الحاجة السياحية تفتح فرص عمل حقيقية للباحثين عن عمل بشهادة الدبلوم العام، كما أنها تطور سيعكس احترافنا السياحي، تناغما من توجهات الدولة الاقتصادية التي تجعل قطاع السياحة ضمن خمسة قطاعات بديلة لقطاع النفط.
أهلاً وسهلاً بالمليون سائح؛ فالطبيعة هذه الأيام في قِمَّة جاذبيتها، وفي روعة تجلياتها الحسية وغير الحسية، بمشاهدها القلبية والمادية، فما على السائح سوى تحرير كل حواسه من هواجسها السياسية، ومن انشغالاتها اليومية، لكي يستمتع، ويجعل غيره يستمتع بقمم الجمال، وما أكثرها وتعدُّدها في محافظة ظفار، والتي يأتي على رأسها: جمال الأمن والأمان، والذي هو رأسمال الإنسان في سلطنة عُمان، دعوة نُطلقها بصَوْت مرتفع لكلِّ سائح أن يترك وراءه السياسة، لكي يقضي أوقاتا لن تُنسى في سلطنة عُمان مع جمال الطبيعة بمفرداتها سالفة الذكر، والتي ستجعلك أخي السائح تقول دائما: "سبحان الله، ما أجمل الطبيعة في سلطنة عمان". وكذلك، هنئيا لكم بالأمن والأمان، وقد قيل لنا هذا فعلا أثناء لقاءاتنا مع مجموعة من الأشقاء الخليجيين. لذلك؛ سيكون العذر دائما إلى جانبنا لحرصنا على الجانب السياحي في مكاننا وزماننا بعيدا عن السياسة وتقلباتها.