العيود وكاميرات الوافدين

 

طالب المقبالي

 

لم تعد هناك خصوصية من خصوصياتنا العمانية إلا وأقحمت بعض العمالة الآسيوية الوافدة فيها نفسها بطريقة وأخرى، فقبل أيام حلّ علينا عيد الفطر المبارك بما صاحبه من عادات وتقاليد عُمانية عريقة.

فكما هو معروف أنّ هناك استعدادات تسبق العيد بأيام، أولها هبطات العيد التي أصبحت العمالة الآسيوية الوافدة تزاحم أسواقنا بمنتجات وخيرات مزارعنا التي سلمنّاها إيّاها طواعية لتنعم بثرواتها، فتجلب الأبقار والجمال والأغنام لتزاحم بها هبطاتنا التقليدية التي كانت خصوصية من خصوصيات هذا الوطن. كذلك تجلب هذه العمالة التمور والرطب التي تنتجها مزارعنا، كما اقتحمت هذه العمالة الوافدة صناعاتنا التقليدية المصنوعة من مشتقات النخيل كأظرف الشواء التي تعرف محلياً "الخصفة" وكذلك المشاكيك التي كان يترزق منها المواطن صاحب هذه الحرفة التي كان ينتظرها كل عام مرتين، والملفت أنّهم لا يبيعونها مباشرة تحسباً لقيام الجهات المعنية بضبطهم ومخالفتهم، فيقومون بتأجير الأطفال العمانيين لبيعها مقابل مبلغ من المال كعمولة، وكذلك الخضر التي ينتجونها في مزارعنا يقومون باستغلال الأطفال في بيعها بعد منع الباعة الوافدة المتجولة من البيع في الأسواق وفي الطرقات.

فلم تترك هذه العمالة مجالاً إلا واقتحمته، فمن عاداتنا العمانية العيود في الثلاثة الأيام الأولى من العيد؛ حيث تخرج النساء بكامل زينتها بصحبة الأطفال للاستمتاع بأفراح العيد وما يصاحبه من الفنون الشعبية الجميلة، ومن شراء ألعاب الأطفال، فتأتي هذه العمالة لمزاحمة النساء والتقاط الصور ومقاطع الفيديو فيرسلونها إلى بلدانهم، ويتعدى ذلك مشاركتهم بها أصدقاؤهم عبر سناب شات وتويتر وانستجرام وفيسبوك ومجموعات الواتساب، والملاحظ أنّ بعض قنواتهم الفضائية تنشر بعضاً من هذه المقاطع ضمن نشرات أخبارها كمشاركة أبناء شعوبهم أفراح العمانيين في المهجر، ولا يخلو العرض من بعض السخرية.

والغريب أننا بأنفسنا وبعفوية الإنسان المعهودة نقحم هذه العمالة في صناعاتنا الخاصة حتى درجة الاتقان وربما التفوق، وذلك في مجال صناعة الحلوى العمانية التي نقلها الوافد إلى بلده، كذلك صناعة الخنجر العمانية التي أصبحت تصنع من قبل الوافد خلف الأبواب كي لا تصل إليه الجهات المعنية وضبطه باعتبار هذه الصناعة حرفة عمانية محمية من مزاولة الوافد لها.

ومن المصادفة أن أحضرت لي عبوة حلوى من إحدى المحافظات البعيدة، وقلت لمن أحضرها هذه حلوى فلان وأشرت إلى أحد صناع الحلوى المشهورين الذي تتميز صناعته بمذاق خاص، فقيل لي بأنّها من ولاية بعيدة، فقلت هذا مستحيل، فلو أتيت لي بعشرات العبوات أستطيع تفنيد حلوى هذا الصانع. وهنا أدركت أنّ هناك عمالة تهرب من كفلائها بعد اتقانها حرفة ما فتلجأ إلى ولاية بعيدة تمارس فيها تلك الحرفة، أو ربما سافر العامل إلى بلاده ليعود إلى ولاية أخرى ليمارس المهنة التي تعلمها.

فهذه العمالة قد استغلت مواردنا واستغلت أفلاجنا ولوثتها، واستغلت مزارعنا ولوثت تربتها وحولتها أرضا بورا غير صالحة للزراعة لسوء استخدام المبيدات والمواد الكيماوية، واستنزاف مياه آبارنا بعشوائية، ونحن ننتظر كل شهر ما تجود به علينا من الريالات مقابل استغلال مقدرات هذا البلد.

فإلى متى سنبقى عفويين وطيبين لدرجة استغلال الآخرين لنا؟

muqbali@hotmail.com