لم نُحسن قراءة تاريخنا!

 

 

هلال الزيدي

نَعَم هي الحقيقة المُرَّة التي توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، وتلك المسلَّمة لم تأت اعتباطا، وإنما جراء الأحداث التي تصاحبنا في كل يوم؛ ففي أحد الأيام وبينما الجدل يحتدم بين الأب وابنه على انتماء "أسد البحار أحمد بن ماجد" ومولده، فقد نسب الابن -ذو العاشرة من عمره- تلك الأسطورة إلى بلد مجاور؛ بسبب أنه تعرض لجرعة إعلامية كبيرة عبر قنوات الأطفال "إم.بي.سي 3" وقناة "ماجد" و"سبيس تون"، والتي رسَّخت لديه أن منشأ ذلك البحَّار بحسب ما روت تلك القنوات، فشكَّلت لديه المعرفة وعدَّها مرجعا تاريخيا لا يُمكن أن يحيد قيد أنمُلة، إلا أنَّ الأب الذي أصر على تسمية "البحار" بالعُماني؛ لأنَّه تعلم ودرس التاريخ في المدارس التي بدورها أعطته الحقيقة؛ حيث كان يقول: مُعلمنا قال هذا؟ إذْ تعتبر مقولة المعلم آنذاك مُقدَّسة في مصداقيتها ولا تقبل التشكيك. وفي المقابل، كان الابن يصر على أنَّ القنوات لا تخطي!

 تلك مُفارقة عجيبة نتحسَّس ثباتها في كل يوم؛ فقنواتنا الفضائية ببرامج الأطفال التي تبثها لا تستطيع أن تعمل على ترسيخ المعلومة من أجل تفعيل وظيفة الإعلام الحقيقية؛ كونها برامج مُعلَّبة أنتجتها "اليابان" ودبلجتها الأردن، فراحت تبحث عن "الكابتن ماجد" و"رعد العملاق" و"سالي" و"المحقق كونان"... وغيرها التي لم تزيد الطين إلا بِلة تجاه تربية الأجيال؛ لذلك لم يجد ذلك الطفل إلا قنوات موجهة خُصِّصت لتحريف التاريخ وطمس الحقائق ليتعرض لبرامجها، وتتكون بالتالي لديه المعرفة، مع فقر المناهج التعليمية عن أعلام وتاريخ البلاد. وعليه، كان الطفل ضحية كبيرة ليتمسك بمعلومات لا أصل لها، ومع إيمانه بها ستتوسَّع لتكون حقيقة لأجيال قادمة، وتُضم ضمن تاريخهم.

ولأننا لم نُحسن تعليم  تاريخنا، وإنما تمسكنا بالتعليم المعلب الهادف لنسف التاريخ، وتقويض المبادئ، كانت تلك النتيجة التي تتشابه في معلومات أخرى؛ فهناك الكم الهائل من الفنون والعادات التقليدية ذهبت كوننا لم نحسن التعامل معها.

حادثة أخرى قدَّمت برهانًا آخر يدفع بأنَّ تاريخنا وحضارتنا منسية والقراءة فيه كمن يقرأ في "دفتر" لا أغلفة له، فتمزقت حقائقه، هذه الحادثة تبلورت عندما وضع معلم التاريخ سؤالا ثقافيا لطلابه في الصف السابع، قال فيه: كم عدد المعالم الحضارية التي تتمتع بها محافظة مسقط؟ فجميع الإجابات حاولت أن تتبع طريق تلك المعالم التاريخية من قلاع وحصون وأسواق، إلا أنَّ هناك  مجموعة ذهبت إلى  ذكر المعالم من وجهة نظرها وبحسب ما ترسخ لديها من معرفة؛ حيث أجابوا: سيتي سنتر، والبهجة مول، وكوستا كوفي...وغيرها من المنشآت التجارية الحديثة، ولكون تلك المجموعة اعتمدت على الأماكن التي  تعرضت لها جيئة وذهابا، لذلك كانت إجابتهم حسب معرفتهم، حتى برامج الزيارات المدرسية زادت من تثبيت تلك المجمعات لدى الطلاب؛ حيث إنها جاءت في أعلى القائمة، هذا مع الفقر التعليمي الذي تعاني منه مناهجنا الدراسية.

ما نُريده إصلاح المنظومة الإعلامية، وإيجاد قناة مُتخصِّصة للأطفال تقتبس من الحضارة وأحداث التاريخ العُماني رؤيتها ورسالتها نحو تعميق الهوية والمحافظة على التاريخ كما تمَّ توثيقه، إلى جانب الاهتمام بالتاريخ المحكي "القصص والروايات"، وتحويلها إلى قوالب كرتونية تتناسب وأعمار الأطفال. وفي المقابل، نريد من المؤسسات التعليمية من مدارس وكليات وجامعات أن تضع مناهج خاصة بالتاريخ والجغرافيا الوطنية في كل المراحل التعليمية ابتداء من رياض الأطفال وليس انتهاء بمقررات درجة الماجستير.

من المؤكد أننا إذا أحسنا قراءة تاريخنا نستطيع أن نثبت حقائقه وإن أراد الآخرون نسفه ونسبه إليهم.

كما أننا نحتاج ربطَ التاريخ بالواقع في كتاباتنا عبر الإشارة للحوادث العظام التي خلدها الإنسان العُماني من حيث قوة وشموخ البناء والهندسة المعمارية ونصرة الملهوف وحماية الدين والعمل بالأخلاق، والتحلي بالأمانة في العمل بدلا من ضرب الأمثلة بنهضة سنغافورة وثورة اليابان...وغيرها؛ لأنَّ شموخ الشهباء وقوة بنائها يجعل التفكير في المستقبل عند تخطيط طرقنا أو مؤسساتنا حتى تكون نظرتنا بعيدة المدى، ولأن تواضع الصلت بن مالك في نجدة الملهوف يدلل على أن لدينا أكبر عتاد نذود به عن المظلوم، ويردع الظالم حتى عقر داره، ولأن لدينا نظامَ أفلاج هندسيًّا فحريٌّ بنا أنْ نبني أنظمتنا الاقتصادية على ذلك النهج الرصين الذي يجعلنا لا نعتمد على مصدر واحد ولا نتأثر بالأزمات المفتعلة.

الأمثلة كثيرة والشواهد وفيَّة، لكن من مِنَّا يتنبه لها، علينا قراءة التاريخ والتمسك به حتى لا يفلت من بين أيدينا.

------------------------------------

همسة:

هُنَاك من يتَّبع المناصب كظلِّه، ويطلبها بشتى الوسائل، وهناك من يفرُّ منها؛ لأنَّ الإمارة لا تُطْلَب".

abuzaidi2007@hotmail.com