مجالس العزاء.. بين الماضي والحاضر

 

سَيْف المعمري

 

يُعدُّ التعاضُد والتعَاون في الأفراح والأتراح إحدى أهم القيم الحميدة التي تُعزِّز الانسجامَ في المجتمع العُماني، وتبرز تلك القيم جليَّة في مختلف المناسبات؛ والتي من أهمها مجالس العزاء، وإن كانت قد طرأت عليها بعض التغييرات خاصة فيما يتعلق بإعداد ولائم الغداء والعشاء للمعزين، والتي يتكفَّل عادةً بها جيرانُ وأقاربُ أصحاب العزاء، إضافة إلى تجهيز القهوة ومياه الشرب، وقد كانتْ في الماضي تتطلَّب مجهوداً كبيراً؛ نظراً إلى أنَّ إعدادها يتم في منازل جيران أصحاب العزاء، وتتطلَّب الكثيرَ من الأعباء كالاحتطاب لإقامة الولائم والتي كانت تتم بطرق تقليدية، ورغم الاعتماد على المطابخ والمطاعم الشعبية في إعداد تلك الولائم خلال هذه الأيام، إلا أنَّ ذلك أسهم في زيادة الأعباء المالية لأصحاب العزاء وأقاربهم، وكذلك الجيران؛ نظرا للتوسع في مآدب الغداء والعشاء؛ لكثرة عدد المعزيين، وسهولة إعدادها من جانب آخر؛ كونها تتم عن طريق الطلب المباشر من المطابخ والمطاعم الشعبية، وكذلك هي الحال بالنسبة لإعداد القهوة.

وفي الماضي، كانتْ سفرة القهوة للمعزين في مجالس عزاء الرجال تشمل أصنافًا متنوعة من الفاكهة وحتى الحلوى، إضافة إلى القهوة ومياه الشرب، بينما في الوقت الحالي اقتصرت في معظم ولايات السلطنة على القهوة وماء الشرب فقط، وفي ولايات أخرى إضافة إلى ما سبق، فيتم تقديم أصناف متعددة من الشاي، بينما في مجالس عزاء النساء لا تزال تقدم فيها أصناف متنوعة من الأطباق، والخشية أن تمتد تلك العادات إلى ولايات أخرى.

وهناك جهودٌ تُبْذَل في عدد من الولايات، وبمباركة أصحاب السعادة الولاة فيها، وبتعاون وجهائها وأعيانها والمواطنين فيها، لتخفيف أعباء مجالس العزاء في الولايات من خلال تبني عادات تراعي وبشكل مباشر أصحاب العزاء.

ومن بَيْن تلك العادات الحميدة في مجالس العزاء: اقتصار ساعات تقديم واجب العزاء على فترتين صباحية ومسائية؛ بحيث تبدأ الفترة الأولى بعد شروق الشمس وحتى موعد صلاة الظهر، لتتوقف فترة استقبال المعزين خلال وقت الظهيرة، وتستأنف الفترة الثانية من بعد صلاة العصر وحتى موعد صلاة المغرب، ويقتصر تقديم وجبتي الغداء والعشاء في منزل أصحاب العزاء لذوي المتوفى فقط.

وقد شهدتُ بنفسي تجاوبًا وارتياحًا من قبل أصحاب العزاء في تطبيق تلك العادات الحميدة في بعض مجالس العزاء في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، وولاية لوى بمحافظة شمال الباطنة، ونما إلى علمي تطبيقها أيضا في مجالس العزاء بولاية جعلان بني بوحسن بمحافظة جنوب الشرقية، وهو جهد مشكور ومقدَّر من قبل أصحاب السعادة الولاة في الولايات الثلاث، ونأمل من بقية الولايات أن تحذو حذو مثيلاتها لما فيه مصلحة عامة للمجتمع.

ولعلَّ البعضَ يَرَى أنَّه من الصعوبة بمكان تقييد الناس في تواصلهم وقيامهم بواجب العزاء لذويهم ولمن تربطهم بهم معرفة وعلاقة صداقة أو جيرة أو زمالة عمل، وإن ذلك ربما يدفع بالكثير من الموظفين أثناء ساعات الدوام الرسمي بالتدافع على مجالس العزاء خلال الفترة الصباحية، ويتضاعف العبء على المعزين الذي يقطعون مسافات طويلة من ولاية لأخرى، وإن الفترة المسائية ربما لا تكفي لأداء واجب العزاء، خاصة في فصل الشتاء الذي تكون فيه الفترة الثانية من العزاء قصيرة نسبيا من الجانب الزمني عمَّا هي عليه في فصل الصيف، كما أن إقامة ولائم الغداء والعشاء للمعزين الذين قدموا من أماكن بعيدة يعدونه واجبا على أهل العزاء، وإنه لا يستساغ -حسب العُرف الاجتماعي- أن يغادروا مجالس العزاء إلا بضيافتهم.

وتلك هي مجرد أعراف تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، وهي بحاجة لتصحيح الكثير منها بما يتناغم مع طبيعة العصر، وربما في الماضي لم تكن التكلفة المادية للولائم وأعداد الناس الذين يتوافدون على مجالس العزاء كما هي عليه اليوم، فضلا عن عدم وجود مشقة التنقل من مكان إلى آخر، بينما في الوقت الراهن أصبح ميسرا إلى حد كبير عن طريق المركبات الحديثة وقرب الولايات والقرى ببعضها من خلال الطرق المعبدة.

لذا؛ نتمنى أن يتم تكثيف الجهود من قبل عدد من المؤسسات الحكومية كمكاتب أصحاب السعادة الولاة ووزارة التنمية الاجتماعية والمجالس البلدية في المحافظة لحث أبناء المجتمع على تقليل الكثير من الأعباء المكلفة في مجالس العزاء، تحقيقا لمبدأ المصلحة للجميع.. وفبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com