تهميش الكفاءات


حميد السعيدي
أحد أخطر التحديات التي تُواجه التنمية في البلد هو تهميش الكفاءات، فعندما لا تلقى الكفاءات العلمية والمهنية المُعاملة التي تتناسب مع القدرات والإمكانيات، فإنَّ ذلك له الأثر السلبي على الوطن ويؤثر على المصلحة العامة، هذا النص المُقتبس من كتاب من المواطنة إلى التربية المواطنية للدكتور نمر فريحة، يجعلنا ننظر إلى الواقع الذي تعيشه هذه الكفاءات في المؤسسات الحكومية والخاصة، في تعاملها مع الأفراد فإن المعايير التي وضعت للتقييم والترقيات والمكافآت لا توظف وفقاً لما حُدد لها، وإنما نجد أنَّ تأثير العلاقات الشخصية والاجتماعية هو المعيار الأكثر سيادة في منظومة العمل التي يعتمد عليها في إدارة المؤسسات.
مما يُساعد على ذلك على وصول الأشخاص غير المؤهلين إلى وظائف كان من الأجدر أن يأخذها من يستحقها، وهنا يخسر الوطن الكثير من القُدرات والكفاءات التي كان بالإمكان أن تحقق العديد من جوانب التغيير والتطوير، ولكن ما نلاحظه من ترهل إداري في العديد من المؤسسات يعود بالدرجة الأولى إلى وصول أفراد لا يمتلكون تلك القدرات التي تُساعدهم على تحقيق النجاح والتطوير.
هذا ليس وحده فقط العامل المهم في القضاء على الكفاءات الوطنية، بل إنَّ الأمر يصل في بعض المؤسسات إلى سياسة الإقصاء بحيث يتم إبعاد أصحاب الفكر والرأي، من منطلق أنَّهم لا يُقدمون الولاءات للمسؤولين في المؤسسة، فالكثير من المسؤولين يمجدون الأفراد الذين دائماً ما يلحنون لهم المكانة والقرارات الصائبة حتى ولو كانت على حساب نجاح المؤسسة، ووصل الحال في بعض المؤسسات أن تحيك الخطط بحيث تقوم بإبعاد الكفاءات من الوصول إلى المناصب المهمة والعمل على اختيار من يرونه مناسبا لتقديم ولاءات أكثر، وهذا الحال المؤسف الذي تعاني منه مؤسساتنا، ففي إحدى المؤسسات خططت من أجل وصول أحد موظفيها إلى منصب أعلى ولكنه لا يتوافق مع اختصاصات تلك الوظيفة، فعملت على نقل أحد الموظفين إلى تلك الوظيفة بحكم أنَّه بنفس المستوى الوظيفي وتركت الوظيفة التي يشغلها شاغرة، بحيث تتناسب شروطها مع الموظف الذي يفترض أن يعين فيها، ثم يتم إعلان عن التنافسية ولكن هي في الواقع تم حياكتها لشخصية ما، والسؤال الذي يطرح ذاته، متى سنظل على هذه الحال؟ ونرى أن مصلحة الوطن تتجاوز مصالحنا وعلاقاتنا الشخصية.
إنّ المتتبع للواقع الذي نعيشه يظهر له جلياً حجم الخسارة التي يتعرض لها الوطن، نظير تهميش الكفاءات والاعتماد على الشخصيات الأقل في المستوى والقدرات، وهذا يكلف البلد خسارة اقتصادية ومالية، ويفتقد للخطط الناجحة والمشاريع ذات الجدوى، لأن من نعتمد على وصولهم لم يصلوا بالاعتماد على قدراتهم وإنما على علاقات لم تكن في مكانها المناسب، وهذا الواقع حتماً يضعنا أمام واقع بحاجة إلى التغيير وتطوير الوسائل التي تمكن من تطبيق المعايير التي وضعت لاختيار الكفاءات المناسبة.
فالبرغم من أن أهم منطلقات المواطنة هي الجانب الوجداني والقانوني، فإن شعور المواطن بالظلم من عدم الحصول على حقوقه التي شرعها المشرع، فإن ذلك على المدى البعيد يؤثر في موت الكفاءات وضياعها مع الزمن دون أن يستفيد منها الوطن، فالإنسان تحكمه المشاعر، حتى ولو جاهد للبقاء للعمل بإخلاص فإن مشاهدته لتلك المشاهد والحقائق تضعه أمام مواقف تدفعه ليصبح جزءا من ذات المسار، أو يحاول جاهدا العمل من أجل رسالته الوطنية، ويقدم نفسه شامخاً يعمل لأجل الوطن.
لذا فإنَّ على المسؤولين أن يكونوا مع الواقع، ويقوموا برسالتهم التي أوكلت إليهم بالعمل بإخلاص وأمانة، ومعاملة الجميع انطلاقا من مبدأ العدالة الذي فرضه باني هذه النهضة العظيمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد والذي عمل جاهداً على تعليم أبناء وطنه معنى الإخلاص والأمانة، التي أرسى قواعدها جلالة السلطان، فنصت المادة (9) من النظام الأساسي للدولة على أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة، وهذه رسالة يجب أن تكون نصب أعين المسؤولين في اتخاذ قراراتهم والتي تخص مصلحة هذا الوطن.

 

Hm.alsaidi2@gmail.com