ناصر العبري
الفريق أوَّل متقاعد سعيد بن راشد الكلباني، أول عُماني يتولَّى قيادة الشرطة بمُسمَّى المفتش العام للشرطة والجمارك، قبل أنْ يُعيَّن مستشارا، ومن ثمَّ خروجه مُتقاعدا بعد عقود من العمل في سلك العسكرية.. بدأها جنديا، جاء من بلاده مسكن وبعدها في جهاز الشرطة.
كُنت على مَوْعد لإجراء حوار صحفي معه حول كتابه "شهد الذاكرة"، وكنت أتطلع للقاء هذه الشخصية القيادية المهمة، التي واكبت عصر النهضة المباركة منذ بداياته، وكنت أتخيل كيف سيكون لقائي معه، وعند وصولي إلى منزل الفريق في مسقط، كُنت أتساءل: متى سياتي إليَّ، ولكن اندهشتُ حين شاهدتُ ذاك الرجل القيادي في صورة لم تختزنها الذاكرة كثيرا، عهدته، عبر المشاهد والصور، مرتديا زيَّه العسكري، وعلى صدره عشرات الأوسمة البطولية لا أعرف من تاريخه إلا أنه الفريق أول المفتش (المتقاعد)، ولكن بين ثنايا سطور سيرته قرأت حكاية إنسان عُماني أسهم في صنع مجد بلد له شموخ الجبال.
يقفُ وقفة الأبطال على باب منزله، وتفوح منه رائحة الشهامة والبطولة والكرم العماني الأصيل ينتظرني. كنت حينها لم ألتقِ به من قبل، ولم أشاهده على الطبيعة، وعند التوجه إليه كانت الابتسامة بادية على محياه، وأخذني إلى المجلس في منزله، كان يحمد الله كل دقيقة، ويدعو بالصحة والعافية للمقام السامي لمولانا المعظم ولعمان بالتقدم والازدهار. وسألني عن أخبار الظاهرة وأهلها.
الفريق أول شخصية مُتواضعة ومُحبَّة للناس جميعا، أخذتُ في تعجب أسرح بفكري تارة، وأتذكر عندما كان مفتشًا عامًّا للشرطة والجمارك، ونشاهده على شاشات التليفزيون والصحف، لم تتغيَّر ملامحه كثيرًا. قال لي: أعرف ما يدور في ذهنك، ولكن سنتناول القهوة أولا. كانت قهوته العسل والخبز العماني وكأنه تربطه علاقة وذكريات مع العسل العماني؛ حيث كان الرجل شاهدا على طبيعة الحياة في السلطنة أيام كانت بالغة القسوة قبل بزوغ فجر النهضة في سماء الوطن، كما كان الكلباني شاهدًا على تفاصيل العمليات العسكرية البطولية في جبال محافظة ظفار حتى أصيب فيها.
أنجزتُ مُهمَّتي حينها في ظرف ساعة تقريبا، ولكنني تعلَّمتُ منه الكثيرَ خلال ساعة واحدة؛ فالكلباني مدرسة في جميع نواحي الحياة، كيف لا وهو بطل من أبطال شرطة عمان السلطانية، ونال شرف مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ليكون أوَّل عُماني يقود جهاز الشرطة في السلطنة. كُنتُ أتمنى أن تطول جلستي مع هذه الشخصية القيادية، ولكن لارتباطه بجدوله اليومي، طلبتُ منه توجيه رسالة لجيل الشباب، حينها ابتسم وقال: "رسالتي إلى جيل الشباب الحالي والآتي، الالتزام بالعادات والتقاليد العمانية الأصيلة، وتجنب مظاهر تقليد الثقافات الغربية التي قد لا تتفق وعاداتنا الشرقية، والاستفادة من التطور التكنولوجي في مختلف مناحي الحياة؛ بحيث لا يضر بأمن وسمعة البلاد، والعمل على استغلال تلك التقنية الاستغلال الأمثل، فمولانا جلالة السلطان بَنَى هذا البلد منذ مطلع السبعينيات، وهناك آلاف العمانيين يتذكرون هذه الحقبة، وننتظر منهم تسجيل ذكرياتهم لتكون رافدا للتاريخ الوطني".