تحديات تواجه مستقبل التعليم

حميد بن مسلم السعيدي

يقترب العام الدراسي الحالي من نهايته، ويستعد أبناء عُمان للاختبارات التحصيلية والتي تهدف إلى قياس نتاج التعلم خلال هذا العام، والذي كان أهم أحداثه إعلان نتائج الدراسة الدولية التيمز (TImss) للعلوم والرياضيات، والتي ظهرت في النصف الأول من العام الدراسي، وأظهرت تغيراً طفيفًا في مستوى التعليم، ولكنه دون المتوسط العام، مما يعني أن هذه النتائج تحتاج إلى قراءات واضحة للاستفادة منها في النهوض بالتعليم.

المتابع لوضع التعليم في البلد والذي يفترض أن يكون هناك تطوراً ملحوظاً في مختلف عناصر المنظومة التعليمية، يجد أنَّ هناك العديد من التحديات التي تواجهه بصورة مستمرة، والتي يتوقع لها أن تتصاعد عاماً بعد آخر، مما يعني أن الآمال التي كنُّا نضعها من أجل تحسن التعليم تظل جزءًا من أحلام اليقظة، وهذا الأمر يعود بي تحديداً لعام 1996م، أي قبل عقدين من الزمان عندما أُقر تطبيق نظام التعليم الأساسي، كأحد الأنظمة التعليمية الحديثة التي تهدف على الارتقاء بالتعليم، وكان أحد أهم أهدافه التركيز على بناء المواطن العُماني القادر على التفكير والإبداع والابتكار، ويهدف أيضًا إلى مُعالجة الكثير من التحديات في تلك الفترة ومنها القضاء على مدراس التعليم المسائي، والاعتماد على المعلم العُماني في عملية التعليم، وبناء مناهج عُمانية تركز على التعلم الذاتي وعلى المهارات الأساسية التي يحتاجها الطالب، كما هدف إلى التقليل من الكثافة الطلابية في القاعة الصفية، وبناء مدارس نموذجية تفتح مسارات التعلم الحديث لفترات زمنية طويلة يقضيها الطالب بالمدرسة دون أن يشعر بالملل، ويومها احتفلنا بأننا قادمون لمرحلة جديدة في التعليم.

ولكن التاريخ لا يتوقف ويعبر سريعاً حاملاً معه أمل التطوير والتغير في العملية التعليمية، وبعد عقدين من الزمن، تظهر تلك التحديات التي وضعت لها الخطط الاستراتيجية لمُعالجتها اليوم من جديد، وبذات الصورة دون أن يحدث بها تغيير، الأمر الذي يعود بنا لنتراجع كثيراً مخلفين فاقداً تعليمياً كبيراً في الوقت والجهد والمال والوطن.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني أين كنَّا كل هذه السنوات؟ لماذا لا نقرأ ولا نُحلل النتائج والإحصائيات والمؤشرات؟ أما أنها فقط جداول ننشرها في المواقع الإلكترونية، دون أن نبذل جهدا عقلياً بسيطاً في قراءتها بحيث نضع رؤية مستقبلية لما سوف يحدث في المُستقبل، فلماذا نقوم بالتعداد السكاني للسكان والمنشآت، ولماذا يوجد لدينا المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ولماذا ننفق هذه الأموال في جمع هذه البيانات الإحصائية إذ لم نستغلها جيداً؟.

تساؤلات كثيرة تجول بخواطرنا غايتها رفعة مكانة هذا الوطن، ولكن ما نراه واقعًا ماثلاً أمام الجميع والذي يحمل في ذاته هم الشكوى مما يحدث في منظومة التعليم، أين تصوراتنا ورؤيتنا لما سوف يحدث في المستقبل في ضوء البيانات المتواجدة أمامنا، لذا فنحن اليوم نرى الكثير من القضايا التي كُنا نبحث عن مُعالجتها قبل عشرين عاماً مازالت تتزايد بصورة مُستمرة، في مُعظم عناصر المنظومة التعليمية.

فهناك عجز كبير في المُعلمين العُمانيين، نتيجة لإغلاق كليات التربية لمدة تجاوزت التسع سنوات، وانتقال عدد كبير منهم للعمل الإداري أو للمؤسسات الخدمية الأخرى، الأمر الذي يدفع المؤسسة التربوية لتغطية هذا العدد بواسطة المعلمين غير العُمانيين، ما يعني أنهم يحتاجون إلى جهد كبير في التدريب والتطوير وهو ما لا تستطيع المؤسسة القيام به حالياً إلا على فترات قصيرة جداً، والجانب الآخر هو الضغط على المُعلم العُماني لتجاوز عدد الحصص (24) حصة دراسية بمعدل (خمسة حصص يومياً)، مما يعني أنَّ هناك فاقدا كبيراً في عملية التعلم، حيث يُؤثر ذلك على مقدرة المعلم على توظيف أساليب التعلم الحديثة التي تركز على المهارات العقلية والتي تحتاج إلى جهد كبير يبذل من المُعلم والطلاب، مما يعني تجاهل الكثير من الجوانب التربوية المُتعلقة بالتقويم من أجل التعلم، والتغذية الراجعة، والتعلم البنائي والنشط، كل ذلك أمام هذا العدد الكبير من الحصص سيظل جزء من التعليم فاقداً للجودة في التوظيف.

والمُطلع على القاعات الصفية بعيداً عن الرقم الذي أعلن عنه أن نصاب المعلم العُماني من الطلاب هو عشرة طلاب، يجد أنّ الكثير منها يكتظ بالكثافة الطلابية والتي تجاوزت ببعض الصفوف خاصة في الحلقة الأولى (38) طالباً، فأي تعليم سيحدث لهؤلاء الطلبة، ومن هو هذا المعلم القادر على التَّعامل مع كل الطلبة، وتحقيق التعلم من أجل التعلم، واليوم هناك تزايد كبير في عدد المنتسبين للمدراس الحكومية كل عام، ما يعني زيادة الكثافة الطلابية، هذا الأمر الذي دفع المؤسسة التربوية لفتح مدارس جديدة للتعلم في الفترة المسائية، وهذا هي المصيبة العظمى.

فالفترة المسائية في ذات المبنى، مقسم بين فترتين وهنا تكمن المُشكلة، لأن هذه الحلول الوقتية توفر حق التعليم ولكنها لا توفر جودته، فهي تقديم خدمة فقط لا أكثر بغض النظر عن كفاءتها وهنا يفقد التعليم مكانته، مما يعني أننا نتراجع كثيراً عما كنَّا عليه سابقاً، فالفترة المسائية لا تلائم للتعليم بكل المعايير، لا للطلبة ولا للمعلمين ويكون مستوى التعلم دون الضعيف، فالطلبة قادمون وهم مرهقون من الصباح، ويأتي التعليم في فترة الراحة وليس فترة النشاط والجهد، إلى جانب تقليل الوقت المحدد للحصة ليصبح وقتا قصيرا لا يتناسب مع التعلم الحديث ولا مع تلك المناهج القديمة، مما يدفع الكثير من أولياء الأمور للاقتراض من أجل إلحاق أبنائهم بالمدراس الخاصة والتي هي ليست أحسن حالاً، خاصة تلك التي تقع خارج مسقط، ولكن أفضل من التعلم في الفترة المسائية.

وفي ظل كل هذه التحديات نحتفل بمرور (عشرين عاماً) على بعض المناهج الدراسية التي لم تتغير، فقد تغير العالم وتغيرت النظريات التربوية، وأساليب التعلم الحديثة، وتغيرت عقول الطلاب ونمط تفكيرهم، أما مناهجنا فظلت على حالها، بذات المعرفة التي تدفع الطالب نحو الحفظ من أجل تعبئة الورقة الامتحانية نهاية العام وينتهي كل شيء، في حين أن النظريات الحديثة تركز على بناء مهارات التفكير التي تعتمد على جهد الطالب ونشاطه في التعلم، وتركز على البحث عن المعرفة من مصادر متنوعة، في حين أننا لا نرى ذلك العمل الذي يدل على الإنجاز، فمتى نرى أملاً جديداً من أجل مستقبل عُمان؟.

 

Hm.alsaidi2@gmail.com