طالب المقبالي
إعلانات من هُنا وهناك، مكاتب عقارية، وتطبيقات هواتف ذكية، وأفراد، تُعرض فيها أراض أسعارها مُغرية وفي متناول اليد؛ فالعقارات -خاصة الأراضي البيضاء- قد تأثرت أسعارها وهبطتْ إلى أدنى مُستوى لها في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم حالياً، والتي طالت جميع مناحي الحياة، عدا أسعار العقارات بما فيها الأراض في ولاية الرستاق.
ففي هذه الولاية قطعة أرض سكنية مساحتها 600 متر، يتراوح سعرها بين 30 ألف ريال عُماني إلى 38 ألف ريال!
فالشاب حديث التخرُّج من الجامعة، والذي التحقَ حديثاً بالعمل، يحدوه الأمل في تكوين أسرة؛ فأول عمل يقوم به هو البحث عن قطعة أرض سكنية، إنْ لم يستطع الانتظار إلى حين يصله الدور في منحه أرضاً حكومية، مما يتطلَّب ذلك الانتظار سنوات عديدة، فيضطر للاستدانة من البنوك التجارية، هذا ليس كافياً، بل عليه أن يقترض مرة أخرى لبناء المنزل.
فإذا كانت قيمة الأرض ثلاثين ألف ريال، فكم ستكون قيمة بناء المنزل؟ فبناء منزل من 250 إلى 350 مترا يتطلَّب 45 ألف ريال، نُضيف إليها الأرباح البنكية والتي تصل أحيانا إلى ربع قيمة القرض وأكثر.
وهُنَا، يجب أن نقفَ وقفةً متأنيةً مع قضية المغالاة في أسعار الأراضي في ولاية الرستاق وبعض الولايات من قبل وزارة الإسكان، وجمعية العقاريين العُمانية، والجهات المعنية الأخرى التي تُعْنَى بحقوق المستهلك وحقوق الإنسان في السلطنة.
كما يتطلَّب الأمرُ توعيةً في هذا المجال؛ فهناك سماسرة يستغلون حاجة الناس وهم من يفرضون هذه الأسعار. وكي لا أكون مُبالِغاً، وأصفُّ الكلمات صفًّا دون دليل، فقد أخبرني زميلٌ لي حَصَلت زوجته على أرض في موقعٍ ما؛ فعَرَض عليه مبلغ 20 ألف ريال على الفور، ورَفَض البيع؛ لأنَّه ضامن بيعها خلال أيام بأكثر من هذا السعر بكثير... والله المستعان.
فلو قارنَّا أرضًا في الرستاق مساحتها 600م تقع في تلة، أو في سيح من السيوح الجرداء، سنجد أنَّ قيمتها تساوى قيمة أرضين أو ثلاث مطلة على الشاطئ في خط الباطنة أو الشرقية أو الوسطى أو في محافظة ظفار.. أليس هذا غريباً؟
فأين الجهات الحكومية المعنيَّة؟ أم أنَّنا نعيشُ في غابةٍ يتصارع فيها الأقوياء، وتقع سلبياتها على الضعفاء.
ففي ولاية الرستاق مناطق معروفة، وكأنَّها قطعٌ من الجنة تُباع أراضيها بأسعار الذهب، أسعار خيالية، وكأنها خُصِّصت للكبار ولأصحاب رؤوس الأموال، في حين أنَّ مَوْلانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- علمنا أنَّ المساواة بَيْن المواطنين هي قاعدة أساسية ونهجٌ تسير عليه السلطنة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة، فلو تَرَكنا هذا الأمر يستفحل في بلادنا، فسوف تنشأ طبقية بغيضة يجب أن لا تنبت في هذه الأرض الطيبة، إذ لهذا الأمر أبعادٌ كثيرة وليس مُجرَّد سعر أرض والمغالاة فيه.
ومثالٌ آخر للاستغلال، زميل آخر أخبرني بأنَّه عَرَض أرضاً للبيع وحدَّد لها سقفاً مُعينا، واكتشف لاحقاً أنَّ السمسار عَرَضها بزيادة أربعة آلاف ريال، وتعتبر ضربة حظ إن بيعت بهذا السعر، مضافاً إليه العمولة القانونية التي سيحصل عليها من البائع.
وللأسف، هذه النماذج موجودة ليس في الرستاق وحدها، وإنما في جميع الولايات.
muqbali@hotmail.com