"يا معاذ، والله إني لأحبك"

 

 

سعيد المحرزي

"يا معاذ، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ دُبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك".. كلمة بدأ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- مخاطبة الصحابي الشاب معاذ؛ لكي يبدأ بعدها بتوصيته ببعض الكمات التي سيستفيد منها في دنياه وآخرته، وحين نتأمل هذا الموقف، نجد هنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالتعبير عن حبه للصحابي الكريم ثم ألقى عليه وصيته، وكأنه يشير لنا إلى ضرورة التعبير بالحب لمن نريد تربيتهم وتعليمهم؛ لأنَّ ذلك أدعى إلى القبول لديهم، وهذا الأسلوب النبوي التربوي غاية في الأهمية، فهو يؤسس لمبدأ تربوي أصيل، ألا وهو "التربية بالحب"، إن النفس أدعى إلى قبول الأمر والنهي ممن تحب، بل وتتأسى كثيرا بمن تحب، لذلك نجد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعميق حب الصحابة له، فقد كان يستخدم معهم كلمات الحب واللطف بحيث تقترب القلوب من بعضها، ويسهل القبول لها، وهذا المنهج النبوي هو منهج القرآن الكريم؛ فنجد التعبير القرآني في مواطن عديدة: "والله  يحب المحسنين" الآية 134 سورة آل عمران، و"والله يحب الصابرين" الآية 146 سورة آل عمران...وغيرهما من الآيات الكثير، وهذا كله يدل على أهمية التربية والتعليم بالحب.

إنَّ المتأمِّل للواقع التربوي في كل زمان ومكان، يجد فعالية منهج التربية بالحب، ولعلي أحاول ذكر بعض المواقف المشرقة التي رأيتها من خلال زياراتي الإشرافية والتدريبية للمدارس ببلدي الغالية عُمان، وأبدأ حديثي بإحدى مدارس البنين والتي زرتها قبل عامين تقريبا، حينما دخلت المدرسة جاءني شعور غريب بأن هذه المدرسة غير عادية في تعاملها مع طلابها، وفعلا، ذلك ما رأيت، فقد كنت جالسا مع إدارة المدرسة وفجأة يدخل أحد الطلاب وأظنه في الصف الخامس يريد أن يتصل بأهله، فاستأذن مني نائب المدير ليهتم بشأن الطالب، فقام ونزل من على كرسيه وجلس يحدث الطالب بما يتناسب مع سنه وبكل لطف ومودة، وأنا أنظر للموقف وكلي دهشة وعجب، ثم ذهبت لحضور حصة مع المعلم الذي كنت أريد زيارته، وإذا به يتعامل بكل رُقي وحب ومودة مع طلابه في الصف السابع، وكان طلابه يبادلونه نفس الشعور؛ لذا كان تجاوبهم في الحصة عاليا وأداؤهم رائعا جدا، مع أن عددهم كان يبلغ الـ37 طالبا، فقلت في نفسي: تلك ثمرة العلاقة الطيبة بين المعلم وطلابه.

تكرَّر لدي هذا الموقف في مدرسة أخرى للبنين، وهنا كان المعلم رائعا جدا في رقيه في التعامل مع طلابه، كان يغمرهم بحبه وعاطفته الجياشة، كان يجيد توظيف تلك العاطفة في تحفيز الطلاب للتعلم، لاحظت مدى فاعلية العلاقة القوية بين المعلم وطلابه في تسهيل تلقي المعلومة وفهمها، بل وفي الاستجابة لما يطلبه المعلم من مهام، كان يقف بجوار الطالب الضعيف يشجعه بعبارات حانية راقية ولا يدعه حتى يجيب ولو نصف إجابة.

وأيضا ما زلت أذكر معلمة الكيمياء بإحدى المدارس وهي تقوم بتدريس طالباتها في الصف الثاني عشر وقد غمرتهن بعاطفتها الجياشة وكلماتها الراقية المعبرة عن حبها لهن، مما كان له الأثر في الدافعية العالية لدى الطالبات.

مواقف كثيرة جدا مررت بها أثناء زياراتي الإشرافية، تكشف لي جليا عن دور التربية بالحب وأثرها الفعال في تحقيق الأهداف التربوية، فهي تزيد من دافعية الطلاب والطالبات للتعلم، وتعزز القيم والأخلاق النبيلة، وتقلل السلوكيات غير الحسنة...وغيرها من الأهداف التربوية الراقية.

إنَّ تعبير المعلم عن حبِّه لطلابه مطلب مهم جدًّا، ويكون هذا التعبير متنوعا، أي لفظيا وعمليا، لفظيا بالعبارات المتنوعة والتي تدل على المحبة والاحترام والتقدير، وبالدعاء بظهر الغيب لهم بالتوفيق والنجاح، وعمليا بالسعي لتوفير أفضل طرق التعلم لهم؛ فالطلاب الذين يرون الجد والاجتهاد من معلمهم يكونون أكثر حبا واحتراما له.

إنَّ التربية بالحب تقتضي من المعلمين والمعلمات تعميق التواصل مع الطلاب داخل وخارج المدرسة، بما يتناسب مع البيئة الاجتماعية ويساعد على تحقيق الأهداف التربوية المرجوة، ولذلك شواهد كثيرة في المجتمع لا يتسع المقال لذكرها هنا.

إنَّ التربية بالحب تقتضي من كل مربٍّ ومربية ومعلم ومعلمة أنْ يضعوا نظاما فعَّالا يضبط حركة وانفعالات الأبناء والطلاب، يضبطها بقيمة الحب.

إنَّ التربية والتعليم بالحب فنٌ مهمٌّ ينبغي إتقانه من كل من يشتغل بالتربية؛ سواء كان الآباء والأمهات، أو المعلمين والمعلمات، وهذا الفن يحتاج لتدريب وممارسة مستمرة حتى يتم إتقانه.

 

* مُشرف ومدرِّب تربوي

تعليق عبر الفيس بوك