حتّى يغيّروا

عبدالله العجمي

الإنسان كائن اجتماعي؛ هكذا تعلّمنا.. ويقال أيضاً أن هذه هي الفطرة التي فطره الله عليها.. ولكن!

هل يمشي الكل على هذه الفطرة؟! خاصة إذا علِمنا أن السعادة كامنة في تلك الفطرة!! وهل لو عاش الجميع عليها -أي الفطرة- سيكونون سُعداء؟!

أليس فعل الخير من الفطرة؟ إذاً لماذا يحيط بنا الأشرار من كل جانب؟!

أليس الاجتماع من الفطرة؟ إذاً لماذا ينتشر بين ظهرانينا المنعزلون والمنطوون على أنفسهم؟!

ولماذا أمام كل هذا الظلم؛ وأمام الدموع التي لا تنضب لكل الأرامل والأيتام والمظلومين والمضطهدين في هذا العالم نقف عاجزين؟ نداري جراحاتنا الشخصية الصغيرة ونحيا في التفاصيل ولا ننتبه أو نركز على العناوين الأهم والقضايا الأكبر..

يا ترى ماذا سيحلّ بنا لو أننا نهضنا من نومنا ذات صباح وقررنا أن نهدم عالمنا الذي نعيش فيه فنُحيله إلى كومةٍ من أحجار وجبل من ركام.. ثم ابتعدنا قليلا عن هذا الركام بعد تكدّسه لنلقي عليه نظرة من بعيد وأعيننا بها نظرة انتقام ممزوجة بإحساس التشفّي.. فقد كان عالماً يستحق الدمار لما به من ظلمٍ وقُبح واضطهاد، انعدمت فيه الرحمة وتلاشت منه الشفقة..

لكن أتعلمون ما هي المصيبة الأكبر؟! أننا بعد أن نهدمه لنتخلص من الشرّ الذي كان به؛ سنرجع بأنفسنا لنقوم بإعادة بناء عالمٍ جديدٍ آخر أكثر شراً من سابقه.. سنعود لنقوم بنفس تلك الجرائم التي خلصنا منها العالم المهدوم، سنخرّب الطبيعة، سنقتل بعضنا بعضاً، سنظلم ونقهر وننتهك الحرمات، ثم نعود إلى ذات الظلم الذي خلصنا العالم منه لنتخذه منهجاً ودستوراً لنا في عالمنا الجديد..

أتعلمون لماذا؟!

لأن من عمّر العالم المهدوم هو الانسان، ومن سيقوم ببناء العالم الجديد هو نفس الإنسان..

ومن ظَلَمَ في العالم الأول هو الإنسان، ومن سيعود ليظلم ويبطش في العالم الآخر هو نفسه الإنسان..

فلو كان هذا الإنسان يعتبر من عبر التاريخ؛ لاعتبر بعد هذا الكم الهائل من القصص التي تعجّ بها كتب التاريخ.. خاصة أنّه يعاصر نفس الكوارث والقضايا التي قرأ عنها في كتب التاريخ والسِّيَر فالتاريخ يكرر نفسه.. ولكنّه كما وصفه القرآن بوصفه البليغ: "وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً"

من الكوارث الكبرى أن يكون لدينا نظرات ثاقبة.. نرى بها مكمن الخلل في أنفسنا ولا نبادر ونسارع بتغييرها.

ومن تلك الكوارث أن يكون إحساسنا عميقاً.. يُشعرنا بأدنى درجات التذبذب والتوتّر ولا ينبّهنا ليفيقنا من غفلتنا.

كارثة أن تكون ضمائرنا حيّة.. ولا تؤنّبنا.

كارثة أن تكون في أيدينا سياط لا نستعين بها في جلد ذواتنا.

كوارثٌ حلّها صعبٌ مستصعب.. واستفهامات ربما ستبقى دهوراً بلا إجابة.. نفوسٌ تنتظر فرجاً.. وتلهث وراء بصيص أمل..

نخط كلمات ونمحو غيرها.

نصوغ جُمَلاً لنعود ونمسحها غير راضين عنها وكأنها بحجمها الكبير تحمل القصور والنقص في داخلها..

يحار البيان.. ويعجز البنان، ويتلعثم اللسان.. لينتفض صارخاً رغم عجزه: أما آن لنا أن ننتفض على ذواتنا!! فالجميع يسعى جاهداً لتغيير هذا العالم بمشاكله وكوارثه، لكن هل فكرنا بتغيير أنفسنا..

دعونا نبدأ بها.. نعمل على تعليمها وتدريبها وتحسينها وترميمها وإصلاحها وتهذيبها والرقي بها.. فإصلاح النفس أولى درجات سُلّمِ الإصلاح.. "حَتَّىْ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمِ".

كم هو جميل أن نحيا على أمل التغيير.. ونبدأ هذا الأمل بالمحبة.. محبة أنفسنا وذواتنا لتسري هذه المحبة تلقائيا في نفوس الآخرين وتتجلى في ما حولنا من أشياء.. فلنركّز على الجمال ليتقلص القبح.. نركز على الفرح ليتلاشى الحزن..

وفي هذا يقول شاعر التفاؤل والأمل "زين":

يحيطُ بنا الجمالُ بكلِّ شكلٍ..

فنُهمله ويشغلنا القبيحُ

ويملأ كونَنا بالحزنِ شخصٌ..

فننسى ما حوى الكونُ الفسيحُ

*رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي