عيسى الرواحي
قد ترتكب الفتاة الجامعية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة محظورات كثيرة حتى وإن كانت بين أهلها بعيدة عن الصرح العلمي، فالخلوة المحرمة لم يعد مفهومها اليوم كما كان بالأمس، فقد تكون الفتاة في خلوة محرمة دون أن تكون بجوار أجنبي وذلك من خلال هذه الوسائل التي قربت كل بعيد، وأصبح اللقاء صوتا وصورة بينها وبين الطرف الآخر وإن تباعدت المسافات وكانت بين أهلها، وللأسف الشديد فقد استهانت بعض الطالبات الجامعيات بهذا الأمر كثيرا وتجاوزن خطوطا حمراء فأبدين محاسنهن وخضعن بالقول سرا وعلانية مع الأطراف الأخرى من خلال ما يسمى بالدردشات وما شاكلها من وسائل التواصل الحديثة، يقول فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي في كتابه (قضايا فقهية معاصرة):" ... أغلب فتيات المسلمين اللاتي يشتغلن بالدخول إلى غرف الحوار هذه، وغرف الدردشة والمخاطبات يفعلن ذلك بمنأى عن آبائهن، وعن أمهاتهن، وعمن يوجههن وينصحهن، وهذه علامة على أنهن يفعلن ما ليس فيه طمأنينة في أنفسهن ..."
ويحذر فضيلة الشيخ الفتيات من سوء عاقبة هذا الأمر الخطير وما قد يجره من مهالك بقوله: " كيف يسمحن لأنفسهن بالدخول في حوارات مرئية مع غيرهن؟! أما يعلمن مقدار الضرر الذي أصاب كثيرا من فتيات المسلمين من جراء تجردهن من ستر الحياء وثوب العفاف حينما يخاطبن غيرهن؟ ..."
وأما فيما يخص الزينة والتبرج، فيا ترى ما الداعي لطالبة العلم وهي في صرح العلم المقدس بعيدة عن محارمها في أوساط الأجانب من كل حدب وصوب أن تكون متبرجة بكامل زينتها بعيدة عن الحياء والحشمة والعادات الأصيلة؟! فأين هي من النداء الإلهي لها: (... ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقد بين المفسرون أن المقصود بالتبرج هو التبختر في المشية والانكسار أو هو إظهار الزينة للرجال، وفي كلا التفسيرين فإن هذين الأمرين منهي عنهما، ولن يحققا سوى فتنة الشباب وإغرائهم وإيقاد نار الفتنة والغريزة في قلوبهم، فهل هذا يليق بطالبة العلم؟! وهل هذا سلوك المرأة المسلمة المحتشمة؟! وما الأهداف من وراء ذلك سوى الانحطاط والابتذال وتعريضها للمهانة وما هو أبعد من ذلك؟!
وإن جئنا إلى سلوكيات أخرى تقوم بها بعض الطالبات سواء فيما يظهر من صوت وقت مشيتها، أو روائح زكية تفوح منها، أو لبس غير محتشم فلا هو ساتر حق الستر ولا هو وفق ما أمر به شرعها، فإما أن يكون واصفا لتفاصيل من جسدها، أو جاذبا لأنظار من حولها أو ظاهرا ما وجب ستره وإخفاؤه؛ لتحرك غرائز تثور ثائرتها لمن هم في أوج شبابهم، فتجعلهم شاردي الذهن مفتونين بما يسمعونه أو يشمونه أو ينظرونه، وكل ذلك تدركه الفتاة أنه لا يجوز شرعا، وقد بين الله عز وجل في سورة النور في آية محكمة جامعة ما يجب للمرأة أن تتقيد به من غض البصر، وعدم إبداء الزينة إلا لمحارمها، وحدود أمر لباسها وسترها، والنهي عن إظهار الصوت وقت مشيتها،
يقول الله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى اللـه جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) النور: 31.
أما في ما يتعلق بتطيبها، ففيه نهي صريح ووعيد شديد، فلماذا توقع الفتاة نفسها في محظورات قد تؤدي بها إلى الفتنة والهلاك وكسب الآثام؟! فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية وكل عين زانية". أي هي كالزانية في حصول الإثم، وقد بين العلماء أن تشبيه المتعطرة التي تخرج أمام الرجال بالزانية؛ لما فيه من تهييج لشهواتهم وغرائزهم، وحملهم على النظر إليها، فإن نظروا إليها فقد زنت أعينهم، وقد جاء في كتاب (فيض القدير) للمناوي ما نصه "والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، فكل من ينظر إليها فقد زنى بعين، ويحصل له إثم لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه، فإذن هي سبب زناه بالعين، فهي أيضا زانية". وقد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: (قلوب الرجال عند أنوفهم).
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن الطيب والبخور حتى في حال خروجها إلى المسجد، فعن زينب الثقفية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا"، وفي رواية أخرى أنه قال: "أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل". يقول كثير من الشباب إذا دخلنا المصعد وقد فاحت رائحته عطرا وطيبا فلا شك أن فتيات كن قبل قليل فيه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.. وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.