دمشق محور العالم

 

علي المعشني

يصف الكثير من المراقبين السياسيين في العالم اليوم الأزمة السورية بأنّها أزمة دُوِلت وخَرجت عن نطاق الشأن السوري الداخلي لتمسك بزمامها وتصعيدها وحلّها أطراف دولية متعددة تمامًا كجملة من القضايا الدولية التي شهدها العالم؛ وعلى رأسها وأشهرها قضيّة فلسطين، وكذلك قضيّة الحرب الأهلية في لبنان. وقد تبدو صورة الأزمة السورية كذلك بتلك السمات والصفات، ولكنها في عمق تفاصيلها قضية متفردة في تداعياتها وفصولها ومراحلها.

فما يمكن أن نسميهم باللاعبين الفاعلين في الأزمة السورية هم في حقيقتهم ضحايا حقيقيون للأزمة ودخلوا في نفق مظلم لا رجاء لهم ولا طاقة للخروج منه.

فالأزمة السورية التي بدأت بمظاهر ومسمى انتفاضة مطالب وإصلاح شعبي ثم ارتقت إلى مُسمى الثورة المسلحة ضد النظام، ثم فصائل ومعارضات لا حصر لها في العدد والمسميات والتبعية، تبرهن جميعها بأنّ ما حدث لسورية وفيها مؤامرة كبرى نفذتها ورعتها أطراف دولية كبرى، جمعتها مظلة الصهيونيّة العالمية لتحقيق غاية واحدة وهي إسقاط النظام وتغيير سياسات سوريا نحو الكيان الصهيوني لتمرير سياسات التطبيع، وتفرّد الكيان بالقوة والتأثير المطلق في المنطقة والقضاء على ثقافة المقاومة جملة وتفصيلًا.

واقع الحال اليوم تغيّر تمامًا حيث تجرّدت دمشق من صورة الضحيّة والمفعول به ظاهريًا رغم الجراح والدمار والدماء، وظهرت بصورة من يمنح الجاه والمجد للحلفاء والأصدقاء ويوزع أطواق النجاة ويوهب الحياة للخصوم والأعداء.

صمدت دمشق صمودها الأسطوري الموغل في التاريخ والحضارة والمتسلح بكل تفاصيل كبرياء الأمة العربية وطموحها وآمالها، وتكسّرت على قلاعها الصلبة مراحل المؤامرة وحلقاتها لتصبح تيرمومتر العلاقات الدولية والانتخابات المحلية ومؤشرا لا يخطئ للحلفاء والخصوم.

تهافت الأصدقاء الحقيقيون على دمشق في لحظة تاريخية لن تتكرر طلبًا لصكوك المجد، وتخلى المترددون عن ترددهم ومدوا قنوات التواصل السرية والعلنية مع دمشق كي لا يفوتهم قطار المجد والتاريخ، ولحق بهم خصوم دمشق بعد أن تهاوت أغلب عروشهم وتآكلت رهاناتهم ومشروعاتهم لقبض العمولات والظفر بالنجومية والبطولات الديكوريّة الزائفة والزائلة.

الواقع الصهيوني المعيشي اليوم ومستقبل الكيان يسيران على وقع أنغام دمشق النارية والسياسية ولم تعد لهم سياسات أو مخططات بمعزل عن صدى ومؤثرات الساحة السورية، واللاعب الرئيس الأمريكي تمزقه الخلافات وتدافع مراكز القوى على تجليات الوضع في دمشق إلى درجة أنّ من يصنع السياسة الأمريكية اليوم تجاه دمشق هم الروس وليسوا الأمريكان بعد أن أفرغ الأمريكان ما في جُعبتهم من حيل ومؤامرات وفقدوا كل تأثير حقيقي على الأرض.

الحمى السورية انتقلت وتجلّت على الساحة الفرنسية ووقع الانتخابات الرئاسية فيها فرغم أنّ الظاهر في تلك الانتخابات هو الشأن الفرنسي الداخلي إلا أنّ مصالح فرنسا الحيوية تقتضي البت الصريح في موقف فرنسا من الملف السوري في نسخته الحالية ووفق معطيات اليوم، لهذا رأينا الخطاب بين المترشحين في الشأن السوري ساخنًا إلى درجة الوقع الناري في الأرض السورية وخاليًا من أي تورية أو تقية سياسية كالعهود السابقة.

وفي طهران الحليف الاستراتيجي الصلب لسوريا ومحور المقاومة تدور عجلة الانتخابات بضجيج سوري عالٍ رغم الصمت المطبق والذي يمكن تفسيره بالتوافق التام على دعم المقاومة ودمشق إلى الرمق الأخير، ولكن بما أنّ عقول الأحياء تتدافع ليولد الصواب والناس لا تتساوى إلا في المقابر فلا يوجد ما يمنع من التفكير بأنّ في طهران من يرى بأنّ من مصلحة بلاده الانسحاب التكتيكي المدروس من جبهات القضايا العربية وحقن جهد ومقدرات إيران في شرايين اقتصادها ولمصلحة شعبها وسكينة وضعها.

ولا تزال دمشق تصنع المجد والضجيج للعالم وستواصل دورها كمحور اهتمام للعالم وبوصلة هداية ومؤشر تخطئة وتصويب للضمير العالمي والقيم الإنسانية، وستبقى دمشق مركز صراع بين الخير والشر والعلم والجهل والشرعية والخارجون على القانون والشرعية الدولية وبلطجية العصر الحديث.

قبل اللقاء.. ستبقى دمشق ورقة رابحة للحلفاء والأصدقاء وطوق نجاة للأعداء والخصوم وصك غفران للمُغرر بهم من أغرار السياسة والتاريخ، وكتابا مفتوحا للعقلاء تملأه العبر والمواعظ..

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com