إسرَاؤنا ومِعْراجُنا

عبدالله العجمي

شاءَ الله تعالى لِرسوله الكريم أن يغوص في أعماق رحلة الإسراء، ليطوف بالنبي (ص) في هذه الرحلة الإعجازية التي كانت بين المسجد الحرام، والذي بناه أبونا إبراهيم الخليل ليكون منطلقاً لرسالته.. ومن ثم صار هذا البيت هو القاعدة التي تنطلق منها الرسالة المُحمّدية، وبين المسجد الأقصى الذي كان منطلق رسالات سماوية أخرى، ليمر نبينا الكريم على كل الآيات المُنتشرة في الآفاق بين المسجدين الشريفين ليطّلع على كل تواريخ الأمم والرسالات التي سبقت الإسلام، وكأنما أتت هذه الرحلة للتأكيد على الرابط المُشترك والقوي بين المسجد الحرام (مُنطلق الرسالة الحديثة القديمة معاً) وبين المسجد الأقصى الذي هو منطلق بقية الرسالات السماوية الأخرى.. لتؤكد لنا هذه الرحلة أنَّ الرسالات السماوية بكل شرائعها إنما أتت مُكمّلة لبعضها لتُختتم بالرسالة الخاتمة.

أما رحلة المعراج فقد أراد الله لنبيه أن يطّلع على آفاق السماء.. ليرى آيات الكون من أعلى كما كان يرى بعضها من أسفل، إنِّها جولة أرضية تبعتها جولة كونية على مركبٍ في حد ذاته إعجاز يُبرهن على قدرة الله تعالى.

عندما بدأ الرسول الكريم رحلته فإنِّه بدأها منطلقاً لا من موقف شدّة وعنف، بل كان أرفق النَّاس بالنَّاس، وكانت كل علاقاته وتعاملاته مع من حوله تبرهن أنَّه كان ذا خلق رفيع، وانطلق ليُعالج الأفكار ويُصححها.. وليُعالج القلوب لتصبح قلوباً تحمل الحب والود للإنسان، جاء ليبني الإنسان ليكون قادراً على بناء الحياة بالصورة التي أرادها اللهُ تَعَالى..

ونحن عندما نسترجع هذه الذكرى الإسلامية فإنِّه يتوجب على كل فردٍ منِّا أن يقوم بواجبه تجاهها.. علينا أن نعي بأنَّ هذه الرسالة الخاتمة هي رسالة للحياة كلها.. ومنهاجاً للبشرية جمعاء مهما تقدم بها الزمن، علينا أن نرفع أبصارنا إلى أعالي أسرار هذا الكون مُتفكرين بعقولنا في عظمة هذه الرسالة التي تخطت الآفاق.. متسلّحين بالعلم؛ العلم الذي عليه يجب أن نرتكز لإعمار أرض الله، ولأننا به فقط سنرتفع ونرتقي لاكتشاف أسرار هذه الحياة، ولا يوجد منهج كمنهج القرآن في الارتقاء بالإنسان للتزود بالعلم ويبقيه في حالة تحصيل علمي دائم حيث يقول: "وَقُلْ رَبِّ زِدنِي عِلماً"

من جانب آخر يتوجّب علينا أن نتوقف ولو قليلاً أمام تجلّيات ودروس هذه الذكرى، علينا أن نرتقي روحياً ونصعد أخلاقياً وحضارياً للأعالي.. حيث لا مكان هناك للأحقاد والتعصّب والضغينة.. إذ لا وجود إلا لصفاء القلوب وطهارة النفوس ونقاء ووعي العقول.. فإن ترسيخ روحية هذه العناصر في ذواتنا سواء بشكل فردي أو جماعي يجتمع نوعاً ما مع هذه المناسبة كالتفكر في عالمي الروح والغيب وفوقهما قدرة الخالق عزَّ وجلَّ، والتي تنحني أمامها كل القوى والمناصب والهامات..

وبرغم أنَّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه ولكن بالمقابل لم يرد في القرآن ما يشير إلى عبادته، ولم يصف علمه رغم أنَّه كان مدينة العلم، ولم يذكر شجاعته وبطولاته وإقدامه رغم أنه كان أشجع الناس، إذ لم يقيّمه على كل تلك الأسس مثلما قيّمه على أساس الخُلُق.. لذا لم يكن غريباً أن يسعى هذا النبي العظيم لكي يرسخ هذه الأخلاق في تعاملاته وعلاقاته مع من حوله، وحينما سُئِل عليه وآله الصلاة والسلام: ما الدين؟ قال: حُسْن الخلُق..

لهذا علينا ألا نغفل عن الخُطط التي أصبحت واقعاً ملموساً بهدف إبعاد المُسلمين عن سماحة الإسلام؛ ومحاولة تمييع أخلاقهم وتشتيت أمرهم وتفتيت لُحمتهم، إنها مرحلة استثنائية.. بل ربما تكاد تكون طارئة، نراهم قد أَوكَلوا غيرهم ليخوضوا معاركهم عنهم بالوكالة، فيستخدمون بعض من يدّعون الإسلام -والإسلام منهم براء- لمُحاولة إضعاف كلمة المسلمين وحصارهم بل ومحاربتهم بحجّة الإرهاب.. لا وقت لدينا لنسترخي أو نتظاهر باللامبالاة.. كلّ حسب طاقته، العالم بعلمه، والكاتب بقلمه، والقارئ بوعيه.. فمن نأى بنفسه بعيداً والوضع الراهن في حاجة ماسة إليه فقد جنى على نفسه.. "إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمه".

* رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي