وزراء في الميدان

طالب المقبالي

سبع وأربعون عاماً مضت والشعب العماني يتطلع لأن يحظى برؤية وزير خارج شاشات التلفاز أو في محفل من المحافل.

فقد كانت رؤية وزير على الطبيعة أو السلام عليه ومصافحته ضرباً من ضروب الخيال، ومن سابع المستحيلات.

فقد كان المواطن يتردد على المؤسسات المُختلفة من أجل إنجاز معاملة خاصة به، وكانت تتقاذفه الأمواج من كل حدب وصوب، وهو يطمح في أن يرسو قاربه في بر الأمان، لكن الأمواج تتصاعد فيبحث عن قارب نجاة، ويتطلع لأن يُحظى بمقابلة مسؤول كبير، كالوزير مثلا أو وكيل وزارة أو حتى مدير عام، وأضعف الإيمان مدير دائرة، لكن جميع الأبواب مؤصدة، وبالكثير يطلب منه أن يسلم رسالة مكتوبة بطلبه لتسلّم إلى المسؤول فيطلب منه أن يغادر الوزارة بوعد بالاتصال به ولكن!!

هذه الطريق سلكها الجميع وسلكتها معهم لتكون شهادتي حقيقية وواقعية وليست مجرد كلمات أسطرها عبر هذا المقال دون دليل.

ست سنوات من المعاناة قضيتها في وزارة من الوزارات في موضوع لو نفذ بجدية وبإخلاص لما استغرق أكثر من شهر أو شهرين بالكثير.

فقد تحملت وصبرت على فقدان ملف معاملتي ثلاث مرات، وفي كل مرة أعيد تجديد الملف، ولم تحل مشكلتي إلا بعد وصولها إلى معالي الوزير، وكانت لا تستحق هذا العناء، حيث يمكن لمدير دائرة أن يحلها في أسرع وقت ممكن.

وهناك لديّ قضيّة في إحدى الوزارات عمرها أكثر من عقدين لم تحل رغم مقابلتي للوزير مرة، ومرة أخرى تمّ الاعتذار لي بعدم وجود معاليه رغم أنّ اليوم الذي ذهبت فيه إلى الوزارة هو يوم مخصص لمقابلة المواطنين، وفي النهاية تم إبلاغي بقرار الاستيلاء على منزلنا الذي ورثناه من والدنا رحمه الله بحجة "بيت أثري".

في شهر أبريل الجاري طالعتنا وسائل التواصل ووسائل الإعلام بقيام عدد من الوزراء بجولات تفقدية ميدانية في مواقع العمل كبادرة غير مسبوقة عدا في المخيّمات السلطانية التي تأتي بأوامر سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله لزيارة الولايات المحيطة بكل مخيّم أثناء الجولات السامية لتفقد احتياجات تلك الولايات من الخدمات، وبالفعل استفادت العديد من الولايات من هذه الزيارات.

حفظ الله جلالة السلطان الذي ما فتئ يتلمّس احتياجات الشعب في كل واد وقرية وفي كل جبل وسهل.

ولا أشك أنّ هذه البادرة من أصحاب المعالي الوزراء هي امتداد لتلك الأوامر خاصة بعد توقف الجولات السامية لجلالته التي لن تتوقف لولا الظروف التي نعرفها جميعاً.

فالبلاد والمواطن كذلك بحاجة إلى مثل هذه الزيارات التي تقف على واقع الأمور خاصة بعد الأوضاع المالية التي سببتها أزمة انخفاض أسعار النفط التي تعد المصدر الأساسي للدخل في السلطنة.

فهناك معاناة من الطرق المتهالكة التي نفذت مع بدايات عهد النهضة المباركة التي مضى عليها أكثر من أربعة عقود ونصف، كشارع الحزم، العراقي بولاية الرستاق الذي نفذ في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح متهالكاً، وهذا ليس الطريق الوحيد في السلطنة، فهناك ولايات طرقها بحاجة إلى إعادة تأهيل.

فجولات أصحاب المعالي تجعل المسؤولين في الدولة يعيشون على واقع المعاناة التي يعانيها المواطن من تهالك هذه الطرق ومن شح المياه وغيرها.

فهناك مزارع مات زرعها بسبب الجفاف، أصحابها يطالبون بحفر آبار لريها، كما أنّ هناك قرى ومناطق مأهولة مقطوعة عنها خدمات الاتصالات.

وفي وسط المدن هناك مخططات سكنية جديدة تفتقر إلى الخدمات، كالطرق وشبكات الإنترنت والمياه، وهناك عمالة وافدة في وسط الأحياء السكنية، بين اطفالنا وبناتنا وزوجاتنا، عمالة تزاحمنا على الفلج والمزارع والبيوت، فأضرار هذه العمالة وخطرها يمتد إلى تغيير في الثقافات والسلوكيات عند أجيالنا الناشئة.

فلو قام هؤلاء الوزراء بالوقوف على المشكلات التي تعاني منها البلاد وتلمس احتياجات المواطن على الواقع فلربما من يعايش الواقع يحس أكثر بالمعاناة.

فالوزير كانت ترفع إليه التقارير من الدوائر الإقليمية، ونادراً ما يجد الوزير الوقت لقراءة التقارير الواردة إليه من جميع المحافظات والولايات، وبالتالي تكون الأفضلية للولاية التي تحظى بتوصية خاصة من أحد المقربين من معالي الوزير في وزارته، أمّا بقية الولايات فسوف تنفذ فيها المشاريع وتقدم إليها الخدمات وفق الخطط الخمسية، ووفق الوفورات المالية، وهذا واقع يجب الاعتراف به.

[email protected]