عيسى الرواحي
للمرأة في الإسلام مكانة عظيمة وكرامة بالغة لم تحظَ بها في أي ديانة سابقة، كما أنّها عماد الأسرة وقوام البيت ومربية الأجيال والمدرسة التربوية الأولى التي يتخرّج منها الرجال، وتحت أقدامها جنةٌ عرضها السماوات والأرض، وهي درةٌ مصونة وجوهرةٌ ثمينة صان شرعنا الحنيف كل سكناتها وحركاتها، وبيَّن لها الطريق المستقيم الذي إن انتهجته سعدت وسعدت البلاد والعباد، وإن حادت عنه هلكت وهلكت البلاد والعباد، وصدق الشاعر إذ يقول: "الأم مدرسة إذا أعددتها/ أعددت شعبا طيب الأعراق".
ولم يمنع الإسلام المرأة من خوض الكفاح والعمل ولا من طلب العلم وتحصيله، فهي شريكٌ أساسي في بناء المجتمعات وتقدم الأمم، بيد أنَّه أطّر طلبها للعلم ومزاولتها العمل وسائر شؤون حياتها بأطر يجب أن تسير عليها ولا تحيد عنها؛ خاصة تلك التي تتعلق بصون عرضها وشرفها، والعمل بجميع أسباب الوقاية والحماية لأغلى ما تملك؛ لتظل جوهرة ثمينة مصونة لا سلعة معروضة مبتذلة.
وفي الوقت الحاضر أضحت المرأة تنافس الرجل على فرص العمل ومقاعد الدراسة بل في كثير من المؤسسات التعليمية ومواقع العمل المختلفة في وطننا العزيز نجد أعداد الإناث تفوق أعداد الذكور، ولكن مما ينبغي أن نتفق عليه وتوقنه المرأة قبل كل شيء أن أسمى رسالة تؤديها هي تربية أبنائها وتنشئتهم تنشئة صالحة، وأعظم جهاد ما كان في بيت زوجها، على أنَّ هناك من الأعمال لا يمكن أن يقوم بها أحدٌ غير النساء مع التأكيد على أنَّ عمل المرأة الطبيعي ما كان داخل البيت، يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في كتاب (فتاوى النكاح): "لا ريب أن عمل المرأة الطبيعي هو داخل البيت، ولكن بجانب ذلك هنالك أعمال لا يمكن أن يقوم بها الرجل مع المحافظة على تعاليم الإسلام كتعليم الفتاة، فإن تعليم الفتيات يجب أن يكون من النساء لا من الرجال حتى لا يكون بينهن وبين الرجال اختلاط، وكذلك معالجة النساء فإنَّ الطب النسائي يجب أن تقوم به النساء لا أن يقوم به الرجال، وكذلك ما يدخل في هذا الإطار كالتضميد والتمريض".
ومع إيماننا بأنَّ المرأة شريك في التنمية؛ فإننا يجب أن نوقن أنَّ الرجل يبقى أحق بفرص العمل منها غير تلك التي أوضحها سماحة الشيخ الخليلي والتي يجب أن تكون محصورة في النساء، فهو صاحب القوامة، يقول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ). (النساء:34) وهو المكلف بتوفير معاش الحياة ومصاريفها المختلفة، فلا يمكن للرجل أن يبقى دون عمل، في حين يمكن للمرأة أن تظل في بيتها معززة مكرمة دون أن تعمل وتكدح؛ لتوفير لقمة العيش أو مستلزمات الحياة الأخرى، ومهما بلغ ثراء المرأة وفقر الزوج فإنَّه مطالب أن ينفق عليها. وإذا كان هناك أعمال يجب أن تكون محصورة في النساء فقط؛ حفاظا على تعاليم الإسلام، فما أكثر الأعمال التي يجب أن تقتصر على الرجال فقط!
إننا يجب أن نكون صرحاء بأنَّ ثمة أعمالا كثيرة لا يليق بالمرأة أن تعملها، ولا يتوافق وفطرتها السوية وأنوثتها أن تخوض غمارها كما هو الواقع المشاهد حاليا، فليست المرأة بحكم طبيعتها ومسؤولياتها المنزلية وواجب صون عرضها أن تمتهن أي مهنة أو تزاحم الرجل في كل وظيفة، والمرأة والمجتمع والمعنيون بالأمر هم أدرى بما يناسب المرأة أن تعمله مما لا يليق بها إن كانوا يريدون منها البناء والإعمار، وقبل ذلك إن كانوا يريدون لها الخير والصلاح، على أنّ هناك من الأعمال ما أضرَّ بالمرأة كثيرًا ليس في طبيعة العمل وإنَّما فيما نال ذلك العمل من الاختلاط المحرم غير المؤطر بتعاليم الشرع الحنيف.
إنَّ المرأة إن أجبرتها الأسباب أن تعمل وكان العمل مما يليق بها فإنّها مطالبة أن تلتزم ما أمرها به الشرع الحنيف من أوامر وأخلاق، ولتوقن تمام اليقين أنّ صلاح البلاد واستقامة العباد مرهون بالدرجة الأولى باستقامتها وعفتها يقول الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (أخلاقنا الاجتماعية): "إنَّ السبيل أيها الناس لاستقامة فتياتكم وسعادتهن زوجات وأمهات.. أن يقتنعن - لا أنتم- بأنَّ مستقبلهن ومستقبل الوطن بأيديهن.. وأن يشعرن في قرارة أنفسهن بأنهنّ مسؤولات أمام الله تعالى عن أعمالهنّ وسلوكهنّ...". وقد أوضح القرآن الكريم في قصة ابنتي شعيب عليه السلام السبب الذي أجبرهنَّ على العمل، والإطار الشرعي الذي التزمنه وهن يزاولن ذلك العمل من أجل الحفاظ على كرامتهن وعفتهن: (... قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (القصص- 23).
هذا وللحديث بقيّة في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.