ثقافة "التطنيش" و"التطفيش"!

 

مسعود الحمداني

(1)

في أروقة الوزارات نجدهم، تكتظ بهم المكاتب، مُهمتهم الوحيدة هي التضييق على النَّاس، وتعقيد مُعاملاتهم، وتأجيل مواعيدهم، يجلسون خلف الكراسي الوثيرة، ولا يكادون يردون سلاماً على مراجع، أو يكلفون أنفسهم بالبحث عن مُعاملة مواطن، يُعاملون المراجعين وكأنَّهم قطيع من المحتاجين الذين لا يستحقون الاهتمام.. يتفننون في وضع العراقيل، واختراع الأعذار والمُبررات القانونية، وغير القانونية لقطع كل سُبل الأمل والرجاء في أعين المُترددين على الوزارات، ودون ابتسامة حميمة أو كلمة اعتذار.

هذه النوعية من المُوظفين منتشرون للأسف في المكاتب الحكومية لـ"تطفيش" المراجعين، وأحياناً لزيادة نسبة الضغط لديهم.

(2)

لا تستغرب كثيرًا أو تُصاب بالإحباط إذا أنت أرسلت رسالة نصية لأحد الموظفين للاستفسار عن موضوع ما، أو قمت بالاتصال به لتتعرف على سير مُعاملتك، ولم يرد عليك في الحالتين، فثقافة (التطنيش) والشعور بـ(الأهمية الوهمية) أصبحت مُنتشرة، وقد يقطع المواطن مئات الكيلومترات للاستفسار عن مُعاملة بسيطة لأنَّ موظفاً حكومياً لم يرد على مكالماته المتعددة، أو يكلف نفسه عناء الرد بكلمة واحدة على رسائله المتكررة، فيضطر ذلك المواطن الفقير في كثيرٍ من الأحيان ليركب سيارة أجرة، ويقطع مسافات طويلة للاستفسار، والذي تأتي إجابته غالبًا إما بالرفض أو وجود نواقص لم يكتشفها الموظف في حينها.

هذا الوضع لا ينطبق بالطبع على أصحاب المصالح المشتركة (الموظف وصاحب المُعاملة).

(3)

في أوضاع كثيرة أنت مُضطر للتَّعامل مع واقع (ضياع المعاملات) أو اختفائها في بعض الوزارات الخدمية، وعليك أن تُعيد إجراءاتك من البداية بسبب موظف لم يأبه للبحث عن المُعاملة، أو أنه أضاعها نتيجة إهمال مقصود أو غير مقصود، والضحية في كل الأحوال المواطن الذي لا ذنب له، ولا حول ولا قوة لديه غير تفويض أمره لله والاضطرار للعودة لحلقة الروتين البطيء والممل من جديد، بينما يعود الموظف المتسبب بالخطأ إلى كأس الشاي الذي أمامه دون اكتراث لما سببه من عناء وتأخير، وربما ضياع حقوق ذلك المواطن بسبب إهماله.

بعض الدوائر الحكومية ليس لديها نظام تخزين أو أرشفة إلكترونية، وربما لم تسمع به إلا من نشرات الأخبار.

(4)

لا تكتئب كثيرًا أو تفقد أعصابك وأنت تراجع إحدى الجهات الحكومية لتخليص معاملة طارئة، فإذا بالموظف يقول لك بكل برود: بأن (النظام عطلان)، فتُصاب بخيبة أمل، وتنظر إلى مئات الكيلومترات التي قطعتها خلفك لإنجاز معاملتك، وتتحسّر على الوقت والجهد الذي بذلته، فظاهرة (توقّف النظام) غدت مصاحبة للتحول الإلكتروني!!..وما على المراجع المغلوب على أمره إلا أن ينتظر بصبر طويل، وبالٍ واسع إلى أن يعود النظام (وغالباً لا يعود)، أو أن يحمل أوراقه ويعود أدراجه من حيث أتى، على أمل أن تضبط الأمور في المرة القادمة..أذكر أنه في إحدى المرات ظل (النظام) خارج الخدمة لأكثر من أسبوعين في وزارة خدمية!!..

أتساءل: لو كان هناك دور قضائي أو إداري في هذا الجانب وتمت مقاضاة أو مُحاسبة الجهات المتسببة في هذا العطل والتعطيل لمصالح الناس..هل سيظل هذا العذر الأقبح من ذنب يُلاحق المراجعين في هذه المؤسسات الحيوية؟!!

(5)

ليس هذا كل شيء، ولكنه غيض من فيض مما يحدث للمراجعين في الدوائر الرسمية، ولو أن هذه اللامبالاة سادت في مؤسسات الدولة، ولو أن ثقافة (التطنيش والتطفيش) غلبت على عقليات الموظفين والمسؤولين فيها، فاقرأ على الدنيا السلام.

 

 

 

Samawat2004@live.com