أين نريد أن نصل بأبنائنا بمسابقة النظافة؟! (2-2)

سيف بن سالم المعمري

بعد خروج لجنة المتابعة والتقييم الرئيسية لمسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية من المحافظة التعليمية، وانتهاء فترة التقييم، تظل قلوب المسؤولين بالمحافظات متعلقة بإعلان نتائج التقييم، حيث كانت في الأعوام الماضية تعلن في نهاية العام الدراسي، وخلال السنوات الأخيرة يتم الإعلان في الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي التالي، وبانتهاء فترة التقييم لمسابقة النظافة والتي تتم لجميع المحافظات في الفصل الدراسي الثاني، بالإضافة إلى تقييم مسابقة الكشافة والتي تكون في ذات الفصل، ومعه ينتهي العام الدراسي، وقد شغلت مسابقتي النظافة والكشافة جميع العاملين في الحقل التربوي المقتنعين بالمسابقتين وغير المقتنعين، فرضا المسؤولين الذين يتشبثون بالمسابقتين والمجاملات غير المحمودة أهم من أي شيء آخر.
و لا يمكن أن ننكر أنّ المسابقتين لهما دور في اكتشاف الطاقات والإجادات من التربويين والطلاب؛ ولكن المبالغة في الاهتمام بالمسابقتين ساهم في إهمال جوانب أهم بكثير من مجالي النظافة والكشافة.
وعودة على ذي بدء والحديث عن مسابقة النظافة فقد استوقفني ابني عمر وهو في الصف الأول حينما أخبرني أنّ معلمته طلبت من جميع طلاب الصف أن يستحموا ويعتنوا بملابسهم وشعر رؤوسهم وأظفارهم ويتطيبون لليوم التالي حيث إنّ لجنة النظافة من المديرية ستزور المدرسة، وهذا هو حال جميع المدارس -وللأسف الشديد - فالمضامين السامية التي يرغبون في غرسها في نفوس الطلاب من خلال مسابقة النظافة تكون عبر الشكليات الآنية بعيدة عن الجوهر، في الوقت الذي كان بالإمكان أن تعزز جميع القيم في نفوس الطلبة عبر الممارسات العملية عبر ما يعرف بالمنهج الخفي داخل بيئة المدرسة أو خارجها.
ويمكن القول إنّ مسابقة النظافة نجحت وبدرجة الامتياز في إشغال جميع العاملين في الحقل التربوي عن الرسالة السامية للتربية والتعليم والتي سبق التطرق لها في مقال الأسبوع الماضي، وإن كان البعض يتذرع بأن المسابقة تركز على الجوانب التحصيلية الدراسية والإجادات وغرس القيم والاتجاهات الصحيحة وتعزز قيم المواطنة في نفوس الطلبة، فلماذا تعاني مخرجات التعليم من الضعف القرائي والتدني العام للمستوى التحصيلي الدراسي؟! ولماذا لا توجد لدينا مسابقات على مستوى السلطنة في التحصيل الدراسي والعلمي وفي المواهب والإجادات الطلابية وتسخر لها جميع الإمكانيات المادية والبشرية وتلغى مسابقة النظافة، وتخصص لتلك المسابقات مكاتب تنظيمية في وزارة التربية والتعليم بمسمى مكتب التحصيل الدراسي، أو مكتب المواهب والإجادات الطلابية، وتحظى بنفس الاهتمام والعناية؛ وسنجني ثمارها في مخرجاتنا، بل وسينشغل أبناؤنا بالتحصيل الدراسي والعلمي، وسنرفد المجتمع بالطاقات في مختلف المواهب والإجادات الطلابية، وسينشغل الطلاب في الاعتناء بأنفسهم والاهتمام بكل من حولهم، وسنستطيع أن نخرج أجيالا من الشباب المتسلح بالعلم وقيم المجتمع ونبله السامية، بل لماذا لا توجد مسابقات للمعلم المجيد، وتشجعهم على البحث العلمي، وتعزز مواهبهم ومبادراتهم لخدمة التعليم؟
ونحن لا ننكر سخاء الحكومة في دعم مسيرة التعليم وقد وصلت جملة ما تنفقه على وزارة التربية والتعليم إلى ثلاثة مليارات ريال عُماني خلال السنوات الماضية، ولا يزال الدعم مستمرا، ولكن هناك - على ما يبدو-ضعفا واضح في إدارة تلك الأموال وتوجيهها فيما يعود بالنفع على مخرجات التعليم، وللتدليل على ذلك، ولأنّ مسابقة النظافة تشغل مساحة واسعة من اهتمام الوزارة فيمكن طرح الأسئلة التالية: هل استطاعت مسابقة النظافة وفي مجال تعزيز قيم المواطنة أن تغرس في نفوس الطلبة ثقافة العمل الحر وعدم الترفع عن المهن البسيطة في سوق العمل المحلي؟ هل استطاعت مسابقة النظافة أن تغرس في نفوس الطلبة قيم تحمل المسؤولية والاعتناء بالمرافق والمال العام؟ هل استطاعت المسابقة أن تغرس في نفوس الطلبة أنّ ضخامة الأموال التي تنفقها الحكومة على التعليم ما هي إلا من أجل الاستثمار المستدام في التنمية البشرية وأن المحافظة عليها مسؤولية لا يعفى منها أحد، ويجب الاستفادة منها بالشكل الأمثل؟ هل استطاعت مسابقة النظافة أن تقلل من نسب تسرب الطلبة من التعليم في مراحل التعليم العام والجامعي؟ وهل استطاعت المسابقة أن تبني جسرا لتواصل البيت مع المدرسة؟ لماذا نرى صباح مساء رمي النفايات في الحدائق والمتنزهات والأماكن السياحية وبين الأحياء السكنية؟ والسؤال الأهم: كم حجم الأموال المباشرة التي تنفق على مسابقة النظافة؟ فوجود مكتب للمسابقة بتجهيزاته وكادره الإداري والفني، ومكافآت أعضاء اللجان الرئيسية والمحلية بالمحافظات، وصرف بدلات مهمات السفر، وحجوزات السكن لأعضاء اللجان بالمحافظات، واستهلاك سيارات الوزارة وصيانتها ووقودها، ومبالغ حفل تكريم المحافظات الفائزة والمبالغ التي تصرف للمكرمين والجوائز العينية، ومكافآت القائمين على الحفل، بالإضافة إلى الأموال غير المباشرة والتي تصرفها المحافظات التعليمية والتي تستنزف ميزانيات المدارس، وأحيانا من أموال المعلمين والطلاب وبعض أولياء الأمور، هل تتناغم تلك الأموال وهدر الوقت وإشغال التربويين للمسابقة لمخرجاتها؟! لماذا لا يقوم مجلس الشورى ممثلا بلجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بتنفيذ دراسة إجرائية حول واقع مسابقة النظافة؟ ولماذا لا تقوم لجنة الشورى بعمل جلسات عصف ذهني مع جميع شرائح العمل التربوي وأولياء الأمور والطلاب لمعرفة أهمية وجود المسابقة من عدمه؟ ولماذا لا يتساءل الجميع: أين نريد أن نصل بأبنائنا بمسابقة النظافة؟!
بوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،

Saif5900@gmail.com