الصورة ليست كما تبدو في المرآة

أحمد الرحبي
لو تخيلنا أنَّ هناك مثلا مرآة عملاقة تتوسط مدينة ما وأنّه يعتبر محظوظاً ذلك الذي تظهر صورته منعكسة في هذه المرآة، مقارنة بالآخرين الذين لم تتح لهم فرصة الظهور أو الانعكاس في بحرها الفضي، هذا التخيل قد يساعدنا على استيعاب مدى الدور الذي باتت تلعبه وسائل الإعلام في حياتنا والتأثير الذي تعمل على أن تتغلغل به عميقاً في وعينا ولا وعينا حول قضايا مصيرية مهمة في حياتنا، والتحكم أو حتى تشكيل ردود أفعالنا إما سلباً أو إيجاباً حول قضية ما، فالحقيقة المهمة التي يعيها المجتمع ويضعها في باله ناحية وسائل الإعلام أنه نادراً ما يوجد في الحياة العامة لهذا المجتمع، أفراد أو مؤسسات تستطيع تحقيق مسار مهني ناجح أو تحقيق أهداف دون أن تلعب وسائل الإعلام دوراً في هذه العملية، والحقيقة الأخرى التي قد يعيها المجتمع إلى حد ما هي أن الاتفاق الضمني المتبادل بين كافة وسائل الإعلام (مسموع ومرئي ومطبوع) يتمثل في تقديم شخصيات على مستوى يكاد يكون تصنيعياً، تكون بالمواصفات التي اختيرت بها تُعد صالحة للاستهلاك في فترة مرحلية محددة، يتم استبدالها في مرحلة لاحقة.
وبالنسبة إلى حقيقة أنَّ المراسلين في الإعلام يحتاجون إلى حدث يصلح لأن يكون موضوعاً صحفياً والإعلام المرئي إلى فرص توفر صور جريئة فإنَّ القضايا التافهة تأخذ حيزاً يساوي القضايا المهمة في هذا الإعلام بل كثيرا ما تأخذ حيزا أكبر، هذا إذا علمنا بأن العامل الحاسم في المسألة والتي تخرج عن إرادة الصحفيين هو مبدأ السير مع القطيع في إطار معركة أكثر ضراوة في توفير الأخبار التي تعتمد على اجتذاب اهتمام العامة والتفوق على صخب الأخبار الأخرى ومصادر التسلية الأخرى التي تتسابق لكسب الجمهور، وما يرفد هذا التوجه ويُغذيه بشكل كبير هو تسارع الأخبار نتيجة للمتغيرات التي حصلت في تقنيات وسائل الإعلام، مما أدى إلى تضخم الشائعات والنقل لحقائق هي بكل بساطة غير صحيحة وذلك تحت الضغط لتحقيق السبق الإعلامي للخبر بسرعة ودون إضاعة للوقت في التحقق من صحته.
وحسب معيار النجاح في وسائل الإعلام فإنّ الأخبار حول القضايا العامة تعد بعيدة كل البعد عن التميز وغالباً ما ينظر إليها على أنها صعبة الفهم وغير جذابة وفي هذه الحالة يؤدي الحل إلى اختلاق قصص تلقى رواجا لدى الجمهور من خلال تركيب أخبار مُتفرقة قد تكون صحيحة، حيث يُمكن تجميعها لتتوافق مع قصة جديرة بالحيز الإعلامي الذي ستشغله وتجتذب القراء والمشاهدين، وإستراتيجية اختلاق قصة تتم في العادة بالتفتيش عن تغطية صحفية قديمة ربما لا يكون لها أيَّ أساس صحيح وبناء قصة صحفية عليها لا تكون جديدة تمامًا أو صعبة الفهم، رواية يمكن فهمها بسهولة ويتنافس الجميع على نقلها هذه هي حقيقة الإعلام.