حمد بن سالم العلوي
نعلم جيداً أنَّ حيلَكم كثيرة، وأهدافكم واضحة لنا .. وهي عسيرة، فهي ليست من اليوم والأمس، ولكن الشعب العُماني أنعم الله عليه برحابة الصدر، ورجاحة العقل، فكل الأكاذيب والافتراءات لن تجديكم نفعاً، وليس هو من ينظر إلى المال، وفتات الدنيا دون الآخرة، وإنه لا يحتاج إلى وسيط للاتصال بخالقه، ثم إنِّكم لم تحصلوا على صك الغفران من الله، حتى تميزوا أنفسكم بأنَّكم فعلاً الأقرب إليه، وإن الشفاعة قد أصبحت بأيديكم، ونحن نعتقد أنَّ الشفاعة في طاعة الله ورسوله وبالعمل الصالح، فأضمنوها لكم أولاً، وتأكدوا من القبول عند بارئكم، أم أنَّكم تمنون النفس بما هو كائن في علم الغيب، كما قال اليهود والنصارى إنِّهم أبناء الله وأحباؤه، لذلك ضمنتم الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فأبحتم لأنفسكم تكفير الآخر الذي لا يتبع هواكم، فتبيحون قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ومن لا يؤمن بمقولتكم، فهو حتماً عدو لكم، كلا ليس هذا بصحيح.
إنَّ الأمة العُمانية وعبر تاريخها الطويل، قد آمنت بالسلم والتعايش الآمن مع الأُمم، وعندما غزت بعض الأمم عمان في قديم الزمان، أخرجتهم من أرضها بقوة رجالها مدعومين بالتوفيق من الله، ولم تستنجد بأمم الأرض على أمر يخصها، ولكنها لم تنكل بالعدو الغازي، وذلك قبل أن توجد الشرائع السماوية على أرضها، وعندما أعتنق أهل عُمان الإسلام، أعتنقوه حباً وطوعاً وعن قناعة ويقين، بل إنَّ أحد رجالها واسمه "مازن بن غضوبة" بادر بالذهاب إلى حيث وُجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليُسابق الناس إلى دين الله ورسوله، ولم يفعل أهل عُمان، كما فعل بعض الأعراب من أهل مدن الجوار لمركز الدعوة المُحمدية، الذين صدُّوا رسول الله وآذوه وأدموا قدميه الكريمتين، عندما ذهب بنفسه يدعوهم إلى الإسلام.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعث رسوله "عمرو ابن العاص" إلى عُمان بخطاب في يده، وهو صلى الله عليه وسلم اختار الرجل السياسي لمُخاطبة العقول، ولو أنّه عرف عن أهل عُمان أنهم اتسموا بالصلف والجلافة، لاختار خالد بن الوليد للمهمة، ولبعث بجيش قوي وسيوف بتارة، لا ورقة دون بها بعض الأسطر لتُتلى عليهم، فتلك كانت الدعوة المحمدية إلى أهل عُمان، أهل الخلق والقوة والحكمة والإيمان، فأسلموا طوعاً دون صدِّ أو مناكفة، وثبَّتهم صلى الله عليه وسلم على ملك عُمان، وظل رسوله مُقيماً بينهم، يعلمهم دين الله وشريعته، وعندما توفى الله رسوله محمداً، قام العُمانيون برد الأمانة إلى وطنه في حضرة خليفته الأوَّل أبوبكر رضي الله عنه، ولم يرتد أهل عُمان عن الإسلام، بل زاد إيمانهم قوة ورسوخاً، وساعدوا الخلفاء الراشدين في الذَّب عن دين الله، وحموه من المرتدين والمنافقين.
إذن من كان تاريخه كله قوة ومفخرة، لا يجوز أن توجه عليه محطات فضائية مُغرضة، ومولعة بنشر الفتنة الطائفية، وتشتيت الأمة الإسلامية، وكأنَّ بالبغاث لم يرتوا من دماء المُسلمين بعد، فتظل تنشر مزاميرها الكاذبة ضد عُمان، لإشاعة الفرقة والفتنة المذهبية، فعُمان يشهد لها العقلاء، على أنها تمثل الإسلام بكل قيمه وأخلاقه، وأنها دولة حضارية "مَدَنِيّةٌ" مسلمة، يزهر في ربوعها الحق والعدل، فلا تتدخل بين العابد والمعبود، ولا تحكم على ما في ضمائر النَّاس، وإن كل إنسان موحِّد هو أخ في الدين، أو أخ في الإنسانية، فلا يضيرنا في شيء، إلا إذا أنكر معلوماً بالضرورة في العقيدة .. وجاهر به، وما عدا ذلك فهو حر ما لم يضر غيره من النَّاس.
أيها المُرجفون في الأرض، هل علمتم عداوة فعلية من عُمان .. وليس مجرد وسواس؟ وذلك على مدى تاريخها الطويل، حتماً لن تجدوا شيئاً فيه إساءة إلى جار، ولكن عُمان ذهبت مدافعة عن الأمة من جور الآخرين، وطغيانهم على بعض بلاد العرب وغير العرب، ولو أنتم تقرؤون التاريخ جيداً، لعلمتم فضل عُمان عليكم، وعلى العالم أجمع يوم كانت أساطيلها البحرية تجوب البحار والمحيطات، تنشر الحب والسلام، والإسلام بحسن الخلق، لا بالسيف والمدفع، فقد بلغت شرقاً مدينة "كانتون" في الصين، وبلغت مدينة "نيويورك" الأمريكية غرباً، فلم تغرها قوتها، وإنما رفعت من شأن العرب، وسميت بحاراً باسم العرب "بحر عُمان وبحر العرب" وذلك نتيجة التواجد العُماني فيها، ولكن هل تعلمون كم مرة غزى الجيران العرب عُمان طمعاً في خيراتها، حتماً هي مسجلة لديكم، إذا كنتم تؤرشفون تاريخكم، ومع ذلك اكتفت عُمان بصد العدوان، ولم تتوغل في أراض عربية، إلا نجدة للأخوة العربية، وكانت عُمان تملك قوة عظيمة يهابها الروم والفرس يومذاك.
نصيحتي لكم كمواطن عربي عُماني، بأن تتركوا عُمان وشأنها، واهتموا بشؤونكم الداخلية، وأعتنوا بشعوبكم التي عودتموها على المال المُتاح، فإن قَلَّ ما باليد قد يزعجهم، فوقتذاك لن يسمعوا لهرطقاتكم على عُمان، التي ظننتم أن تعليق مشجب أخطائكم عليها، سيجدي نفعاً وسيشغل بالهم بمذهبيتها، وهي تؤمن بالإسلام ولا تؤمن بالمذهبية، لأنَّ الناس الذين أغفيتموهم في العسل، ستوقظهم طبول الجوع والعوز، وأولئك الذين دفعتم بهم إلى الانتحار في الخارج، حتماً الباقون منهم سيعودون لقبض ثمن شقائهم، ونطمئنكم أن سياسة عُمان المعلنة، ليس لها ما يُغايرها في الخفاء، وإن كنّا نعذركم على هذا الظن، لأنَّه من صميم مبادئكم في التَّعامل مع الجوار، ليس من اليوم أو الأمس بالطبع، بل على زمن يمتد إلى مئات السنين الماضية، ونحن نعرف التاريخ تماماً، وذاكرتنا قوية بحمد الله، وإن كنّا نسامح ونغض النَّظر، ولكننا لا ننس أبداً الفواصل الفارقة، فقبلوا نصيحتنا المجانية، وتذكروا قول الشاعر العربي " لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ ** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ ** هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ ** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ" والعرب لا تنقصهم الحكمة إذا رغبوا فيها!!.