د.عبد الله عبد الرزاق باحجاج
بعد فترة انتظار وترقُّب، وما صاحبها من تجاذبات حول صمت الجهات الحكومية عن قضية اللحوم البرازيلية الفاسدة، كشفت وزارة الزراعة والثروة السمكية أمس عن الإجراءات الاحترازية التي تعتقد أنَّها تضمن سلامة كافة المُنتجات المستوردة من البرازيل، فيما لا تزال وزارة التجارة والصناعة صامتة رغم أنَّها المعنية بمسألة الاستيراد، ربما تكون قد اكتفت ببيان وزارة الزراعة والثروة السمكية المشرفة أساسًا على عمليات الحجر، والتساؤلان العاجلان هنا هما، هل الإجراءات الاحترازية المُعلنة كافية؟ وما الذي يُفترض القيام به كذلك في حجم قضية لها تداعيات عالمية كبيرة؟.
تتلخص هذه الإجراءات في الآتي: تشديد رقابة مكاتب الحجر البيطري بجميع المنافذ الحدودية، وتكثيف إجراءات الفحص من خلال سحب عينيات من جميع إرساليات لحوم الأبقار والدواجن ومنتجاتهما التي وصلت إلى موانئ السلطنة قادمة من البرازيل، وإخضاعها للتحاليل المخبرية اللازمة والتحفظ عليها للتأكد من سلامتها وخلوها من أيّ مُسببات مرضية، كما تمَّ إيقاف إصدار تراخيص الاستيراد الجديدة من هذه الدولة، والتحقق من الشركات والمسالخ الموردة المتورطة ليتم حظرها نهائيًا، واللافت في بيان الوزارة الفقرة التي تقول: ويجري حالياً التواصل مع الحكومة البرازيلية من خلال القنوات الرسمية لاستيضاح الوضع والوقوف على كافة مُلابسات هذه القضية، وهنا نلاحظ أنَّ هذا الإجراء قد جاء متأخرا، فقضية اللحوم البرازيلية قد هزَّت الاقتصاد البرازيلي ومسَّت بسمعته الدولية منذ يوم السابع عشر من مارس الحالي، ومُختلف الدول المستوردة للحوم البرازيلية قد سارعت إلى وقف استيراد اللحوم البرازيلية، والتحرز على الموجود في أسواقها، وتوجيه تحذيرات لمواطنيها من عدم الاستمرار في أكل هذه اللحوم، وهنا نلاحظ أنَّ إجراءاتنا الاحترازية لم تشمل اللحوم وبالذات الدواجن التي تبيعها أسواقنا أو التي في مخازنها رغم اتِّهام البرازيل نحو أربعين شركة بارتكاب أعمال غير قانونية مثل رشوة المُفتشين الصحيين للموافقة على بيع وتصدير لحوم فاسدة، وإضافة مواد كيماوية لإخفاء رداءة اللحوم، ومن الشركات المتهمة، أكبر شركة مصدرة للحوم والأبقار في العالم، وأكبر شركة منتجة للحوم الدواجن في العالم التي تمتلك العلامتين التجاريتين // ساديا- وبيرديغا // إذاً، كيف يأتي الحديث عن استيضاح الموقف رغم وضوحه من الحكومة البرازيلية؟ ويبدو أنَّ هذه الفقرة أو البيان كان جاهزًا بعيد الكشف عن الفضيحة، لكن الموافقة عليه قد جاءت مُتأخرة، والأهم هنا، اللحوم وخاصة الدواجن منها، المنتشرة داخل أسواق السلطنة، وقد رزت أمس وأمس الأول الأسواق في مدينة صلالة، ووجدت لحوم الدواجن البرازيلية خاصة تعج بها الأسواق، والنَّاس يشترونها، وكأن شيئًا لم يكن، لذلك، نتساءل، ألم يكن من الأجدر احترازياً فحص هذه اللحوم فورًا، ومن ثم اتخاذ قرار سحبها أو بقائها في الأسواق؟ وهذا التوجه تؤكده مسارات القضية في البرازيل، حيث أقدمت السلطات البرازيلية على طرد (33) مسؤولاً حكومياً واتهام أكثر من (30) شركة لحوم بدفع رشاوٍ لمُفتشين صحيين واعتقال (30) على الأقل، وإصدار (27) مُذكرة توقيف بسبب هذه الفضيحة التي تشير الاتهامات إلى أنَّ وقائعها مُستمرة منذ عدة سنوات، حتى الرئيس البرازيلي ميشال ثامر قد اعترف بهذا البعد الزمني.
إذن، قضية اللحوم الفاسدة ليست وليدة السابع عشر من مارس الحالي، وإنما عُمرها الزمني عدة سنوات، لكن ذلك التاريخ، ما هو إلا يوم الكشف عن الفضيحة، بدليل آخر، وهو أن تحقيقات الشرطة البرازيلية استغرقت عامين مُتتالين، وهذا البعد البعد الزمني للحوم البرازيلية الفاسدة، يجعلنا نستدعي قضية فساد الدجاج البرازيلي في بلادنا العام الماضي 2016، فقد ضبطت حماية المستهلك بمحافظة الظاهرة دجاجاً مصاباً ببكتيريا السالمونيلا الضارة، ونشرت صحيفة محلية رسمية بتاريخ 24/1/2016 خبرًا مطولاً بإدانة المحكمة الابتدائية لمُتهمين بالسجن ثمانية أشهر والغرامة (44) ألف ريال بسبب التلاعب بأوزان الدجاج وبيعها دواجن مصابة ببكتيريا السالمونيلا الضارة، وقد مرت القضية في درجتها الثانية أي الاستئناف بنفس الحكم بل تشديده قبل أن تتدخل المحكمة العليا، وترجع القضية إلى الاستئناف مرة أخرى، وبقضاة جدد، قضوا بخلاف الحكمين السابقين، وللأسف، لم يستأنف الحكم مرة أخرى، ربما لم تتوافر معطيات حاسمة في أحسن الظن، لكن الكشف عن هذه القضية الآن، تفتح هذا الملف مرة أخرى، وتجعلنا نأخذ القضية بإجراءات إضافية أخرى رغم أهمية الإجراءات الاحترازية المُعلنة، وكما أشرنا إليها، مهما كانت المبررات التي يدفع أصحابها إلى الحد من الإجراءات، علما بأنّها كانت تسعى إلى عكس ذلك، وهذا غير معقول تماماً، فصحة المواطنين أهم من استثمارات موعودة.
هل تستدعي الضرورة فحص اللحوم وبالذات الدواجن البرازيلية منذ تفجر الأزمة؟ وهل لدى سلطاتنا المختصة تأكيدات صحية على سلامة اللحوم البرازيلية التي تباع الآن في كل الأسواق العمانية؟ تساؤلان موضوعيان، فدول العالم التي تستورد اللحوم من البرازيل، وعددها أكثر من (150) دولة قد قامت بإجراء التوقيف المؤقت للاستيراد كالصين أكبر الدول المستوردة، وبالتحرز وفحص المستوردات البرازيلية، بعد يومين فقط من تأكيد السلطات البرازيلية الفضيحة، أي في يوم السابع عشر من الشهر الحالي، كإجراء احترازي، والشيء نفسه اتخذته دول أخرى وإن كانت بمدد زمنية مختلفة، ككوريا الجنوبية وكذلك السعودية والإمارات ودول الاتحاد الأوروبي، وهذه الأخيرة تميزت في موقفها بحظر شركات برازيلية بصورة دائمة .
ندعو عاجلاً، إلى التَّحرك الفوري بالتحرز على اللحوم البرازيلية داخل أسواقنا حتى يتم التأكد من سلامتها، وهذه مسؤولية وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه والبلديات الإقليمية، وإذا لم تقم بهذه المسؤولية حتى الآن، فهل تعفى الهيئة العامة لحماية المستهلك من هذه المسؤولية؟ وما يدار حاليًا داخل مجلس الشورى، هل له علاقة بقضية غذائنا وسلامته؟.