صرخات من الشارقة.. هل من مجيب؟!

د. عبد الله باحجاج
عندما يحقق ثلاثة من مبدعينا المثقفين المراكز الثلاثة الأولى في مسابقة جائزة الشارقة للتأليف المسرحي، وهي مسابقة من أهم وأبرز المسابقات الثقافية والأدبية على المستويين الخليجي والعربي، لقيمتها المالية والثقافية، ولحجم تنافس الشخصيّات الثقافية الخليجية فيها، فماذا يحتاج مثل هؤلاء المبدعين من وطنهم في مثل هذه المناسبات الكبيرة؟ بالتأكيد، التكريم والالتفاتة، العاجلة وليس الآجلة، وفي وقت الحدث وليس بعد انتهائه، فكيف إذا لم يحدث ذلك؟
السيناريوهات مختلفة، ومتعددة، أبرزها اغتيال الحافز الإبداعي لدى المثقف أو الأديب أو الفنان، أو التأثير على الدافعية الوطنية للإبداع، وقد تتقاطع جهات خارجية في احتواء المبدع، عبر تكريمه، كما حدث مؤخرا، لمبدعنا الرسام الشحري الذي كُرِّم من قبل سفارة خليجية في مسقط، فهل ننتظر تكريم أو تحفيز هؤلاء الثلاثة من قبل مثل تلك الجهات؟ وهؤلاء المبدعون هم الكاتب نعيم بن فتح بن مبروك، فقد حصل على الجائزة الأولى وقدرها مئة ألف درهم إماراتي وذلك عن نصه الموسوم "ظل الذكرى" والكاتب هيثم بن محسن على الشنفري الجائزة الثانية ومقدارها 50 ألف درهم عن نصه "من ذاكرة سعدون" فيما فاز الكاتب المعروف عماد بن محسن بن علي الشنفري بالجائزة الثالثة وقدرها 25 ألف درهم عن نصه" الندبة" وبذلك تهيمن الحركة الثقافية العمانية على حركة الكتابة المسرحية الخليجية، بامتياز، في سابقة تفتح كل الأبواب في كل المجالات والقطاعات، الثقافية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية..
كلّها دون استثناء، للعمانيين في استعادة مكانتهم الرياديّة التاريخية، ولا نقول إنّ هذه الهيمنة قد كسرت حاجزنا النفسي الخارجي، فقد كانت هناك نجاحات فتحت هذا الباب على مصاريعه، إلا أنّ هذه الهيمنة يمكننا توصيفها على أنّها تعزيز للاعتداد بالذات الإبداعية المتأصلة في شخصية الإنسان العماني، ومجيئها في توقيت مناسب جدا، لفتح ملف المثقف العماني وحجم اهتمام الحكومة به، للارتقاء بالمثقف والثقافة، وتتيح لنا مناسبة الفوز بالمراكز الثلاثة، فرصة مواتية للتعرّف على ماهيّات وحجم هذا الاهتمام الحكومي، وبالتالي، نتساءل عن وضع المثقفين والثقافة في أولويات الحكومة؟ لذلك اتّصلنا بمبدعينا الثلاثة الذين استأثروا بجائزة الشارقة الثانية للتأليف المسرحي الخليجي، فوجدناهم في نفسيّات تمتزج بين الفرحة الكبرى والاستياء العميق من موقف مسؤولينا من منجزهم الثقافي الخليجي، وعندما يقارنون بين فرحة المسؤولين في الشارقة بفوزهم على عرش الكتابة المسرحية الخليجية وبحفاوة المكان بهم التي تثلج صدورهم.
وبين تجاهل مسؤولينا لمنجزهم الثقافي غير المسبوق، يزداد استياءهم، وكأنّ المنجز ليس للوطن، رغم أنّه رفع اسم الوطن في السماوات العربية، وتناقلته وسائل إعلام الإمارات والخليجية والعربية، بينما وسائل إعلامنا بين من تناوله كخبر مجرد، أو لقاء مع مبدع فقط، وهي قلة، وبين من قفز فوقه، وهي أكثرية، وهذا ما يعمق استياءهم، وقد لمسنا ذلك في اتصالاتنا مع عماد ونعيم وهيثم، فقد قال عماد حرفيا: "أنا بداخلي آلام وقهر مما يحدث للمثقفين والمبدعين بالسلطنة، فرغم فوزنا الثلاثة بالمراكز الأولى إلا وكأن شيئا لم يكن، لا أحد يتصل بنا، ولا يهنئ.. ما عدا مجموعة من الأصدقاء" مشيرا إلى تغطية إعلاميّة وصحفية محدودة، ويقارن بين الاهتمام بهم كنخب مثقفة في الشارقة وبين ردود فعل مؤسساتنا الثقافية والفاعلين في الشأنين الثقافي والإعلامي، ويفتح قضية التهميش للمثقفين خاصة والأدب عامة (...).
بينما يقول نعيم: "في الوقت الذي تتمنى الكثير من الدول لو تتميز في أي مجال، وتحاول تقديم كل الدعم لمبدعيها.. يتم عندنا تجاهل المبدعين العمانيين في مختلف المجالات، والأمثلة كثيرة وعديدة" وضرب مثلا بنفسه وذلك عندما قال: "إنّه رغم حصولي للمرة الثالثة في مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي على مراكز متقدمة، قبل المركز الأول، مذكرًا بأنّه حصل على المركز الثاني في عامين متتاليين هما 2016 و2017، إلا أنّه لم يحصل على المزيد من الاهتمام ممن يهمهم الأمر". ويصف وضعه قائلا "وحدث كما يحدث كل مرة مع كل مبدع، وذقت من نفس الكأس الذي ذاق منه أصحابي من قبل"، موضحا كذلك، أنّه لم تجرى معه من وسائل الإعلام أثناء فوزه بالمركز الثاني بصورة متتاليتين سوى برنامج "في رحاب المساء" ولمدة زمنية قصيرة، أما فوزه بالمركز الأول، فقد أجرت معه إذاعة هلا إف أم في برنامجها كل الأسئلة فقط، بينما أوضح هيثم الشنفري صاحب المركز الثاني وهو شقيق أصغر لعماد الشنفري من جهته أنّه لم يتلق أي اتصال من جهة رسمية في البلاد تشيد بما حققه للوطن، موضحا أنّ وسائل الاتصال التي تناولت الخبر معدودة واكتفت بالخبر.
وهذه القضية قضية كل المثقفين والأدباء والفنانين العمانيين، فكيف نطالب نخبنا الثقافية والأدبية والفنية بالإبداع، ورفع اسم البلاد في المحافل الإقليمية والدولية، ومسؤولينا يبخلون حتى بالاتصال الهاتفي المجاني لكل من يحقق لوطنه إنجازا، ويفترض الاتصال بهم كبار المسؤولين في الدولة، ويفترض الكشف عن مكافآتهم فورا، وإذا لم يتصلوا مهنئين ومباركين لنعيم وعماد وهيثم أصحاب المراكز الثلاثة الأولى خليجيا؛ فما هي الأحداث التي يجب أن تحركهم؟ ولماذا لم يحظى خبر فوزهم بالتغطية الإعلاميّة والصحفيّة المباشرة وباللقاءات الواسعة والدائمة والمباشرة؟ يفترض أنه ليس هناك من أولوية ثقافية لهذه الوسائل سوى تغطية حدث الفوز ومتابعة أخبارهم في المسابقة وردود الفعل الخليجية والعربية لفوزهم، هذا ما ينبغي القيام به، وهذه البيئة هي التي تصنع المبدعين كنخب، وتحفّز بيئات العمل المختلفة على الإبداع، وتحقيق المكاسب للبلاد، وتلكم التفاعلية - الواجبة عليهم - تكون للمبدع بمثابة الأوكسجين الذي يتنفس منه الإبداع، والقوة التي من خلالها تنتج الفعل الإبداعي، ومن ثم تدفع بشبابنا إلى المنافسة في رفع اسم البلاد.
ولنا في مفردة "الكاس" التي استخدمها مبدعنا نعيم إشارة واضحة على حالة إحباطهم من مواقف الفاعلين في بلادنا، كما أنّها تعكس في الوقت نفسه وضع الثقافة والمثقفين في أولويات الحكومة، بدليل آخر نقدمه هنا؛ وهو قيام فرقة صلالة هذه الأيام "بتشحيت" الشركات والوزارات من أجل مشاركتها العربية في مصر، لم يستجب لها سوى مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار بمبلغ (1500) ريال – وفق مصدر رسمي – فيما امتنع الطيران العماني عن دعمها بعشر تذاكر...إلخ – المصدر نفسه- فهل هذه الفرقة التي حصدت الكثير من الجوائز الداخلية والخارجية تمثل نفسها أم الوطن؟
ربما يكون الوسط الثقافي في بلادنا عامة، يحتاج إلى قيادات تنفيذية من الوسط نفسه، تديره، فهي القادرة على فهم نفسيات المبدع، وهي التي ستتمكن من النفاذ إلى احتياجات المثقفين كشريحة اجتماعية مبدعة، وتحسين أوضاعهم، وهي القادرة على حمل الحكومة على رفع أولوية الشأن الثقافي في بلادنا. فمن الضرورة بعد أن أثبت المبدع العماني في كل المجالات أنّه القادر على المنافسة الخارجية، أن تكون هناك خطة لتسويقه أي المثقف خارجيا، ويفتح ملف المُثقفين، ومنحهم امتيازات لتسهيل رسالتهم الثقافية الوطنية، فهم يحملون رسالة وطنية أرقى تأثيرًا وانتشارًا من وسائل أخرى تدفع عليها الحكومة الأموال الطائلة، ونتائجها أقل منها بكثير، وحتى نتحصل على الوضع الاعتباري للمثقف العماني.
لابد من إنشاء صندوق مالي لدعم المثقف في مشاركته الخارجية، وتكريمه في حالة إذا ما حقق لوطنه إنجازات خارجية، بدلا من أن نتركهم يترددون شحاتة على الشركات والوزارات.. وقد يصلون إلى السفارات.. بحثا عن الدعم، فالمبدع إذا لم يُحتوَ من وطنه يُحتوى من الخارج، فهل وصلت رسالتنا؟
الشكر كل الشكر، والتقدير الرفيع، لكتابنا نعيم وعماد وهيثم على إنجازاتهم التي وراءها جهد متواصل بالليل والنهار، وعصف ذهني عميق، أوصلهم إلى حصد تلك المراكز الثلاثة، رفعتم الرأس، وأثبتم كغيركم أنّ في بلادنا قدرات وكفاءات تستمد استحقاقاتهم من حضارتها التاريخية العميقة.