ثورة المليون الجزائرية ضد فرنسا الاستعمارية

 

د. يحيى أبوزكريا

تعرف الجزائر بأنّها بلاد المقاومات والثورات، ففي كل موقع جغرافي ذكرى لمقاومة أو مشهد لثورة عارمة ضدّ كل الذين حاولوا احتلال الجزائر، فقبل الفتح العربي والإسلامي للجزائر استبسل سكان الجزائر الأصليون والذين كانوا يعرفون بالأمازيغ أي الأحرار في الدفاع عن الجزائر ضد الفنيقيين والوندال والرومان، وعندما وصل الفاتحون المسلمون إلى الجزائر أقبل الشعب الجزائري على اعتناق الإسلام وانتصر له بل ساهم في إيصال دعوته إلى ربوع أوروبا، كما ساهم في فتح إسبانيا على يدّ طارق بن زيّاد البربري.

وبعد سقوط دولة المسلمين في إسبانيا نزح الكثير من منهم إلى بلاد المغرب العربي الأمر الذي جعل هذه المنطقة عرضة للغزوات الإسبانية المتلاحقة والتي قاومها الجزائريون ببسالة، وتعاون في ذلك مع العثمانيين الذين بسطوا خلافتهم على الجزائر وحكموها إلى تاريخ احتلال فرنسا للجزائر في 05 يوليو/ تموز سنة 1830.

ولم يتسن للفرنسيين أن يبسطوا سلطتهم بيسر على الجزائر حيث واجهتهم مقاومات عنيفة اندلعت في وجه المستعمر الفرنسي في كل المناطق الجزائرية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، كثورة ابن زعمون والحاج سيدي سعدي والأغا محيي الدين والأمير عبد القادر الجزائري والمقراني وأولاد حدّاد وفاطمة نسومر وغيرهم.

وكانت كلما انطفأت شعلة مقاومة، كانت التالية تشتعل حاملة راية الدفاع عن عروبة الجزائر وإسلامها. وعن هذه المرحلة قال جول كامبون أحد سفراء فرنسا: إنّه من الخطأ أن نقول بأننا إستولينا على الجزائر سنة 1830، بل إننا نزلنا في شاطئ سيدي فرج في هذا التاريخ، ولكننا لم نتمركز في البلاد إلاّ بعد ذلك بكثير.

ويمكن تقسيم المقاومة التي واجهت الفرنسيين بعد احتلال الجزائر إلى ثلاثة أنواع:

مقاومة سياسية قامت بها طبقة التجّار والعلماء وأعيان المدن، وكانت هذه غالبا تنبع من المدن وتولاها على سبيل الذكر لا الحصر حمدان بن عثمان خوجة ورفاقه.

ومقاومة شعبية دينية قام بها مرابطون ورؤساء قبائل تحت راية الجهاد في سبيل الله والأرض والشرف والوطن والعزة والكرامة، وكان على رأسها ابن زعمون والحاج سيدي السعدي والأمير عبد القادر الجزائري.

وتشكّل مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري للاستعمار الفرنسي محطةّ نادرة من مقاومة الجزائريين، فقد عرف عن الأمير عبد القادر الجزائري أنّه رجل حرب وفكر في نفس الوقت، فصاحب مؤلفات المواقف وذكرى العاقل وتنبيه الغافل، كان يخوض أشرس المعارك ضد الفرنسيين ضدّ الفرنسيين.

لقد نجح الشريف الأمير عبد القادر الجزائري ابن الشريف محيي الدين شيخ الطريقة القادرية في إطلاق ثورة عارمة في مدن الغرب الجزائري حيث كان مقر إمارته، ثم سعى لنشر ثورته في عموم القطر الجزائري على أمل أن يحاصر جنوده الفرنسيين في الوسط ومن ثم رميهم إلى البحر من حيث جاؤوا.

وحتى لما تمكنّ الفرنسيون من تطويق مقاومة الأمير عبد القادر وسجنه في سجن فرنسي وبعد ذلك نفيه إلى بلاد الشام، لم تهدأ المقاومات الجزائرية ولم يهادن الشعب الجزائري لحظة الاستعمار الفرنسي. وظلّت الثورات تتعاقب في الجزائر إلى تاريخ اندلاع ثورة المليون ونصف المليون شهيد في غرّة نوفمبر 1954.

والجدير بالذكر أنّ جميع الثورات التي عرفتها الجزائر قام بها العلماء وشيوخ الزوايا والطرق لأنّ الزعامة آنذاك كانت بأيدي رجال الدين الذين كانوا أنفذ أثرا في الجماهير.

وقد أدرك الاستعمار الفرنسي سر هذه المعادلة أي العلاقة الطردية بين الثورات ورجال الدين فراحت قوات الاحتلال الفرنسي تحوّل المساجد ودور العبادة التي كانت معاهد تعليمية أيضا إلى إصطبلات وكنائس، وألغت التعليم العربي الإسلامي وأصدرت مراسيم لمعاقبة كل شخص يدرّس اللغة العربية في محاولة مكشوفة وواضحة لتجفيف مقومات النهوض والثورة لدى الجزائريين.

وقد أدرك لاحقا زعيم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أبعاد هذه المحاولات الاستعمارية لطمس معالم الشخصية الجزائرية ذات البعدين العربي والإسلامي، فأطلق المقاومة الفكرية والثقافية والتي أعادت بناء الإنسان الجزائري، والذي بمجردّ أن استشعر الخطر المحدق بهويته انخرط في أكبر ثورة عرفها التاريخ المعاصر.