طريق البحرين سالكة .. ولعن الله من يسدها

 

عبيدلي العبيدلي

تنتشر في سماء البحرين السياسية اليوم مجموعة مُتناثرة من الرؤى تبدو في شكلها الخارجي وكأنَّها مُتنافرة، بل ربما مُتناقضة، لكن يجمعها، في الجوهر، مجموعة من العوامل المشتركة التي تجعل منها باقة أفكار متكاملة، بوسع من يُريد أن يقرأ مستقبل البحرين السياسي أن يختار منها تلك الوردة التي تتلاءم ومدخله السياسي، أو تلك الزهرة التي يمكن أن تحتضنها خلفيته الآيدلوجية. ويمكن تصنيف هذه الرؤى في ثلاث فئات رئيسة، دون أن نستبعد وجود أخرى بينها، لكنها لا يُمكن أن تخرج من الإطار العام لتلك الثلاث الرئيسة.

الأولى من تلك الرؤى، هي المغرقة في تشاؤمها، والتي لا تكف عن الترويج للمستقبل المدلهم الذي يتربص بمُستقبل العمل السياسي البحريني، والطريق المسدودة التي تقف سداً منيعًا أمام أي مشروع يمكن أن ينتشل البلاد من مأزقها الذي لا تكف عن تضخيم سلبياته، ولا تتوقف عن إبراز العقبات الكأداء التي ستواجه كل من "تسول له نفسه" الحديث عن خرج محتمل منه. تستنجد هذه الرؤية المغرقة في تشاؤمها بمجموعة من السلبيات التي تعتري منصة المسرح السياسي البحريني، وتمعن في تضخيمها من أجل إيصال فكرتها الرئيسة وهي أنَّ الواقع يقترب من المأسوية القادرة على إحباط أي مشروع إنقاذي. ويحشو من يقف وراء هذه النزعة التشاؤمية سماء المشهد السياسي بقائمة من التراجعات التي تعاني منها جمعيات العمل السياسي، بمُختلف ألوان طيوفها.

النزعة الثانية، هي التي تقف على النقيض من الأولى، وهي المغرقة في تفاؤلها، وتعتقد أن الصراع السياسي لم يعد في خانة "اللاغالب ولا مغلوب"، وأن الجمعيات السياسية التي قادت الشارع خلال السنوات الست الماضية، قد أضاعت فرصاً ذهبية كانت في متناول أيديها، ومن ثم فليس أمامها من خيار سوى "التقاعد"، من سوق العمل السياسي، وترك الساحة كي يأتي لاعبون جُدد، أكثر حيوية، ولا يحملون على أكتافهم تركة الماضي. ومن ثمَّ فهم أكثر قُدرة على قيادة الشارع ممن سبقوهم إليه. وتمضي هذه النزعة المُتفائلة فتحض الجمعيات على أن تضع "سيوفها الصدئة في أغمادها"، فهي باتت غير مجدية، من وجهة نظر من يقفون وراء هذه النظرة. وغير قابلة للفعل في الظروف المستجدة التي أفرزتها أحداث السنوات الستة الماضية. ثم يمضي أعضاء هذا الفريق الغارق في تفاؤله، فيطالب الجميع بطي صفحة الماضي، وفتح فصل جديد "يُلبي احتياجات المرحلة الجديدة".

النزعة الثالثة، والتي يمكن أن نضعها في خانة المتوازنة، هي تلك التي تقرأ الواقع بلغة موضوعية متزنة بعيدة عن الانفعال غير الحكيم، أو ردة الفعل غير الحصيفة. تنطلق هذه النظرة من أوسع الأبواب الذي يمدها برؤية شاملة تعينها على تشخيص الواقع بشكل، لا نقول أنّه نموذجي، لكنه رشيد. فهي لا تبرئ الجمعيات من وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، ولا تقفز فوق عدم قدرتها، أي الجمعيات، على اقتناص العديد من الفرص التاريخية التي كان يمكن أن تخفض من الثمن الباهظ الذي دفعه المواطن البحريني، وتحقق له بعض المكاسب، التي مهما بدت صغيرة لكن تحمل في أحشائها عوامل النمو المستمر والتناسل المتواصل. لكنها في الوقت ذاته، وبالقدر ذاته، تتلمس بعض الأخطاء التي كان بإمكان النظام أن يتحاشاها من أجل ضمان استمرار مركب المشروع الإصلاحي الإبحار دون التواءات تعيق حركته أو تعطل مساره.

كما ذكرنا سابقا، قد تبدو هذه المداخل متناقضة إلى درجة التناحر بحيث تبدو استحالة المواءمة بينها، دع عنك الوصول بها إلى بؤرة التقاء واحدة تتمحور حولها هذه المداخل الثلاثة، كي تنتشل البحرين مما يبدو أنه أزمة أزلية، تسير في طريق مسدودة.

لكن من يبحث عن عامل مشترك بين تلك المداخل، سيكتشف أنّ هناك ما يجمعها في بوتقة واحدة، بوسعها صهر تلك المداخل والخروج بحل مشترك، ليس خياليا، كما يتوهم البعض، وليس بعيدا عن التحقيق، كما يحلو للبعض الآخر أن يروج.

العامل المشترك الوحيد الذي يجمع عناصر معادلة أطراف القوى المنخرطة في العمل السياسي المعاصر هو المشروع الإصلاحي الذي حاز على 98.4 % من أصوات الشعب البحريني الراشد.

هذه النسبة العالية التي حاز عليها المشروع الإصلاحي تعطيه الشرعية، وتطالب كل من يريد أن يركب سفينة العمل السياسي أن يكون هو بوصلته، يستمد كل ذلك من كونه حقق هذه النسبة في أجواء في غاية الشفافية تجرد أي مدع من حق الطعن في شرعية ذلك المشروع، أو النسبة التي حصل عليها.

ليس هنا مجال للخوض في تفاصيل ذلك المشروع من أجل الترويج له، إذ تقع مسؤولية ذلك على عاتق القوى التي تريد أن تأخذ العمل السياسي البحريني من حالة الجمود التي يعاني منها، والشلل الذي يهدد جسده بالضمور، إلى طريق العمل الجاد المنتج والمثمر في آن.

نقطة الانطلاق هنا هي اقتناع النظرات الثلاث ومن يقف وراءها بأن المشروع الإصلاحي والمؤسسات التي أفرزها بوسعهم جميعا أن يشكلوا الرافعة التاريخية التي تحقق هذا الهدف السامي الذي يضع البحرين من جديد، تماماً كما تشهد بذلك سنوات مطلع القرن 21، عندما دشن جلالة الملك هذا المشروع، في ظروف لم تكن تختلف كثيرا عن الظروف التي تعيشها البحرين اليوم. والتشابه هنا لا يقف عند التفاصيل، بل يقفز فوقها كي يصل إلى الصورة الرئيسة بمعالمها الأساسية.

طريق انتشال البحرين من هذا الواقع ليست، كما يتوهم البعض، ويروج البعض الآخر، مسدودة، بل هي سالكة، وكل ما تحتاج له اليوم أكثر من أي وقت سابق، من يمتلك الشجاعة الكافية كي يعيدها إلى سكة المشروع الإصلاحي كي يصل بها إلى بر المجتمع المتحضر الراقي الذي نطمح إليه، بمن فينا صاحب الجلالة، صاحب المشروع ذاته.

في اختصار شديد طريق البحرين سالكة ولعن الله من يسدها.