ناصر العبري
عندما نسترجع الذاكرة، ونستمع للخطاب السامي لمولانا المعظَّم عام 1970م، حين قال: "أيُّها الشعب، سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب". وبعد الخطاب السامي لجلالته أوْلَى مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم، كل اهتمامه لبسط مظلة الأمن والأمان أولاً؛ كونها الركيزة الأساسية لعملية التنمية في السلطنة، ثم نشر مظلة العلم والتعليم والصحة والطرق ومختلف الخدمات الأخرى، التي أتت تباعاً، وأخذ موكبه السامي يجوب السلطنة من أقصاها إلى أقصاها: الولاية، والقرية، والسهل، والجبل، الواحدة تلو الأخرى، ويلتقي أبناءَ شعبه الوفي، يستمع لمطالبهم عن قرب، ويتحدث إليهم بصدر رحب، ويتبادل معهم أطراف الحديث بابتسامة حانية من قائد صنع السلام وجعل السلطنة مقصدا لدول العالم للاستنارة بحكمة وحنكة جلالته حفظه الله. وعندما تتكرَّر الجولات السامية، كان المقام السامي يتأكد بنفسه من تحقيق ما وجه به في الجولات السابقة.
ويُرافق جلالته -حفظه الله ورعاه- عددٌ من أصحاب المعالي الوزراء والمسؤولين للاستماع إلى المواطنين وتفقد أحوالهم، بما يلبِّي احتياجاتهم، ويطلع على منجزات النهضة الحديثة في السلطنة، كما يتابع تنفيذ الخطط الطموحة التي تهدف لرخاء ورفاهية الإنسان العُماني؛ فهذه الجولات السنوية التي تجمع بين القائد وشعبه الوفي بعفوية وتلقائية، وفي مناطق إقامة المواطنين ومعيشتهم في الوديان والجبال والصحاري والسيوح...وغيرها، تقدم في الواقع صيغة توسِّع من دائرة الحوار المباشر؛ ليشمل أكبر عدد ممكن من المواطنين، وفي ولايات ومناطق مختلفة في السلطنة، ومن ثمَّ فإنها أسهمت بشكل حيوي في عملية التنمية السياسية وفي إعطاء القدوة لكل القيادات وعلى مُختلف المستويات، فضلاً عن أنَّه يتم طرح العديد من الموضوعات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية...وغيرها مما يهم المواطن في حياته وفي يومه وغده. وفي شهر أكتوبر من العام 1974م، وفي تمام الخامسة مساءً، كانت بلدة العراقي بعبري مع إشراقة نور ساطع قادم يشقُّ طريقه بين الطرق الوعرة والطقس الحار، إنه الموكب السامي لمولانا المعظم، حاملا معه البُشرى لمستقبل مُشرق يحمل الخير العميم. وعند وُصُول مَوْكِب المقام السامي لمقر مدرسة ضرار بن الأزور في بلدة العراقي بولاية عبري، كانت تعلو محياه حفظه الله ابتسامة مُشرقة كأنها تقول "بُشراكم.. الخير أتاكم".
كانت المدرسة عبارة عن خيام مُترامية الأطراف كفصول للطلاب، وتوجد في زاوية من ساحة المدرسة غرفة صغيرة من الطابوق المصنع يدويًّا ومتواضعة تستخدم كمكتب لإدارة المدرسة، كان حينها جميع المعلمين من الدول العربية الشقيقة عدا معلم واحد عُماني يُعلِّم مادة الرسم. دخل جلالته -حفظه الله ورعاه- إلى ذلك المكتب المتواضع، واجتمع بالمعلمين وأعطاهم توجيهاته السامية وإرشاداته، بعد ذلك أخذ -حفظه الله- يخط بيديه في ذلك السِّجل عبارات تُبشِّر بالخير العميم القادم، وتحفِّز ذلك الجيل على تلقي العلم والمعرفة. كما التُقِطتْ لجلالته -حفظه الله- الصور التذكارية من قبل الصحفيين المرافقين للموكب السامي، بعدها غادر الموكب السامي المدرسة، وترك لنا ينابيع الخير، التي أخذت تتدفق علينا، وتحولت تلك الخيام إلى مبانٍ تعليمية شامخة، وكان من بين مُخرجاتها الأطباء والمهندسون والمعلمون العمانيون الأكفاء، كما انتشرتْ مظَّلة الصحة والطرق والاتصالات، وتوالت المشاريع المختلفة تباعاً. كما تم بمكرمة سامية وبجانب تلك المدارس، تشييد جامع العراقي الذي أصبح اليوم معلما ومنبرا للعبادات وتلقي العلم وإقامة الندوات الدينية والمحاضرات. وهنا، لابد من تسجيل كلمة شكر لكافة الأجهزة الأمنية التي واكبت عملية التنمية في السلطنة، والتي تعمل ليل نهار لتحقيق الأمن والاستقرار بفضل التوجيهات السامية لمولانا المعظم حفظه الله ورعاه.