نكهة عمانية ينفرد بها معرض مسقط للكتاب

 

عبيدلي العبيدلي

السِّمات الأساسية التي ترافق معارض الكتب العربية هي مجموعة الإحصاءات التي تنشرها الجهات المعنية بتلك المعارض بشأن قائمة من المقاييس التي تميز الواحد منها عن الآخر. وعادة ما تتباهى النشرات الصادرة عنها بضخامة عدد دور النشر التي شاركت في المرض المعني، أو ارتفاع عدد الزوار، إلى جانب التوسع في عدد العناوين التي رصت فوق رفوف الأجنحة، وأحيانا ينفرد هذا المعرض عن الآخر بحجم المبيعات والصفقات التجارية التي تمت خلال أيام العرض. وركزت بعض المعارض العربية على الشخصيات التي تشارك في فعالياتها، ثقافية تلك الشخصيات أم مرموقة سياسيا، وتستفيد من ذلك في الترويج لنفسها من أجل زيادة عدد العارضين في السنة المقبلة أو عدد العناوين التي يجلبونها معهم خلال المشاركة.

كل ذلك كان حاضرا خلال معرض مسقط 2017، الذي افتتح في الأسبوع الأخير من شهر فبراير وامتدت أنشطته على مدى ما يقارب من العشرة أيام. لكن أيا منها لم يكن هي التي ميزت، ومن المتوقع أن تستمر في تمييز، هذا المعرض عن سواه من معارض الكتب لعربية الأخرى، وعلى وجه الخصوص الخليجية منها. لقد كانت هناك نكهة عمانية مميزة أعطت معرض مسقط تفردا خاصا، وتوزعت على عدة محاور من بين الأهم منها:

1- بناء علاقة مميزة بين المؤلفين الشباب من العمانيين وهذا الحدث السنوي المحلي، يلمس الزائر علاقة التكامل النامية بين طرفيها من خلال العناوين العمانية التي لا تعرف طريقها إلى النشر سوى خلال فترة هذا المعرض، فتشيع في أجوائه نكهة خاصة تميزها عن المطبوعات الأخرى، وتميزه هو عن سواه من المعارض الإقليمية. وتنعكس هذه العلاقة على أخرى هي تلك التي تربط بين الناشر العربي، او في أحيان كثيرة العماني، والمؤلف العماني، فكلاهما يتحين هذه الفرصة كي يتمكن الأول من موضعة نفسه في سوق الإنتاج الأدبي أو الثقافي العماني، وينتظرها الثاني كي يروج نفسه في سوق الثقافة العماني المواز للسوق الأولى والمتكامل معها في آن.

2- تنوع هذا الإنتاج المحلي العماني بين الفردي الإبداعي في معظمه، والمؤسساتي الموسوعي في موضوعاته، فبينما يتمحور الأول حول النصوص الأدبية، والتأملات الشخصية، يركز الثاني على القضايا التشريعية، والمواد التأصيلية. وعند الحديث عن هذا الانتاج ينبغي الالتفات أننا لا نقارن عمان بشكل مطلق مع شقيقاتها العربيات، فالنسبية هي التي تحكم عناصر المقارنة من جانب، والتكامل بين الفردي والمؤسسات من جانب الآخر، هو الذي يصبغ على معرض مسقط هذا التميز.

3- الريادة الشبابية، التي تشيع في أجواء السلطنة، وليس ردهات قاعات المعرض نكهة تفاؤل مستقبلي بما ينتظر حركة الإنتاج الفكري العماني. فهناك نسبة لا يستهان بها من الإنتاج الفردي تقف وراءه أقلام عمانية شابة. وهذا يضع معرض مسقط، ومن وراءه سلطنة عمان في موقع متميز عندما تقاس الأمور بالإنتاج وليس العرض فحسب. هذه الاجتهادات الشابة الواعدة، بوسعها متى ما أحسنت تربيتها فكريا أن تشكل مادة خام غنية تزود حركة الفكر العمانية بما تحتاجه من بنى فوقية تساهم في حركة التنوير العمانية من جهة، وتموضعها في سوق الابداع الفكري العربي، وربما العالمي، من جهة ثانية.

4- القراءة الشبابية للإنتاج الفكري العربي، وهذه نكهة عمانية ترغم الزائر بإرادة ذاتية وبدون قرار مسبق على التوقف عندها. فهناك ظاهرة عزوف عن القراءة متفشية في صفوف الشباب العربي عموما والخليجي على نحو خاص.  يضاعف من سرعة انتشارها وتموضعها في أوساط أولئك الشباب رواج مواد التواصل الاجتماعي، التي تغذيها شركات الاتصالات الباحثة عن زيادة معدلات أرباحها السنوية. هذه الظاهرة التي يلمسها من يقطن الخليجي تأخذ بعدين: إما عزوف عن القراءة والتوجه نحو فضاءات التواصل الاجتماعي اللامحدودة، وإما قراءة لكن بلغة غير العربية، يعززها فقر الإنتاج الثقافي العربي، وتخلفه عن ركب القضايا الأكثر إثارة، ويزيد من طينتها بله تردي مستوى إنتاج المادة الثقافية العربية مقارنة مع تلك الأجنبية، وعلى وجه الخصوص تلك المنشورة باللغة الإنجليزية، والمغرية بفضل حسن انتاجها، وغزارة مادتها، وتشويق محتواها. في معرض مسقط، يشاهد الزائر اقبالا من لدن الشباب العماني بلهفة ملحوظة من فتيان وفتيات على المعروضات من الكتب العربية.

هذه النكهة العمانية المميزة تثير في ذهن الزائر مجموعة من الأفكار التي تنصب حول المعرض من بين الأهم فيها:

* تطوير الموقع الإلكتروني لمعرض مسقط للكتاب، وروابطه الأخرى من مواقع التواصل الاجتماعي المتصلة به، كي يكون قادرا على توسيع نطاق هذه النكهة فتتجاوز حدودها التقليدية الضيقة مقارنة بذلك الفضاء الإلكتروني الرحب، وباستخدام تقنيات الحوسبة السحابية، بما يمكنه من احداث النقلة النوعية المطلوبة في هذا الاتجاه، دون التفريط في النكهة العمانية التي تميز المعرض العماني.

* جائزة معرض مسقط للنتاج الإبداعي العماني الشاب، بحيث تخصص جائزة لنصوص عمانية شابة، يحصل من يفوز بها على جائزة مالية، بغض النظر عن حجمها، تترافق مع نشر ذلك العمل كي يتم بيعه في معرض السنة التي سنة الإعلان عن العمل الفائز.

* جائزة معرض مسقط للعنوان الأكثر مبيعا في حقل معي، ويمكن أن تكون أكثر من جائزة سنوية لأكثر من عمل، كل في حقله. على أن تتجاوز جوائز الفائزين حدود المكافآت المالية المحضة، ويتسع نطاقها كي يشكل أخرى لها نكهة معنوية.

نكهة عمانية خاص كانت تحلق في سماء معرض مسقط الدولي للكتاب، وحان الوقت كي تحلق في محيطها المؤسساتي المؤطر بدلا من استمرارها في عفويتها التي تفوح برحيقها قمم الجبل الأخضر الشامخة.

الأكثر قراءة