د. سيف المعمري
لاشك أنّ كثيرين يطرحون علامات استفهام كبيرة حول التحوّل الذي أحدثته دار الوراق في عملية النشر في سلطنة عمان، لا سيما أنّ عمر الدار لم يتجاوز عاما، والمشاريع الثقافية معنا عادة تنمو ببطء شديد نتيجة عوامل يرجعها البعض إلى التمويل المالي، في حين يرجعها البعض الآخر إلى ضعف الإقبال على القراءة وطرف ثالث يرى أنّ هناك ضعفا في البنية اللوجستيّة يعيق قيام أي مشروع ثقافي واستمراريته، وطرف ثالث يرى أنّ الصراع وتباين التوجهات تعصف عادة بكل المحاولات الثقافية، وبالتالي فإنّ هذا الواقع يعطي مشروعية لطرح التساؤلات حول نجاح دار الوراق؟
لا شك أنّ القائمين على دار الوراق كانوا مطلعين على حقيقة الواقع الثقافي وخباياه، وهو واقع للأسف لا يختلف كثيرا عمّا يمر به المجتمع وبُناه المؤسساتية من تجاذبات وصراعات وتجمّعات تعيق أكثر مما تحفز، وبالتالي فإنّ معرفة هذا الواقع مسبقا، والعمل على محاولة تأسيس مشروع ثقافي يتجنب كل تلك الإشكاليات هو العمل على تأسيس بناء على أرض صلبة يتمكّن من أن يصمد ويبقى تحت كل الظروف، ولذا فأحد أسرار نجاح دار الوراق هو أنّ القائمين عليها يستثمرون في المعرفة بدلا من المتاجرة بها، ولذا فهم يؤمنون أن الاستثمار في قطاعات أخرى يحقق ربحا ماديا آنيا بينما الاستثمار في المعرفة يحقق ربحا معرفيا مستداما يبقى لأجيال عدة، وهناك عامل آخر هو تأسيس الدار على قيم تقوم على الشفافية والوضوح والديمقراطية واحترام المؤلفين وحقوقهم وتهيئة بنية لوجستية يحتاجها المؤلفون حتى تكتمل؛ من لجان للتحكيم وتقديم الاستشارات العلمية لهم، علاوة على فرق التصميم والرسم والتدقيق اللغوي، والدعاية والإعلان، ومتابعة المؤلف المتميز بعد ذلك وتحفيزه على الاستمرارية ومواصلة التأليف.
لقد خرجت دار الوراق من عامها الأول بمائة وثمانين إصدارًا وبلورة نهج جديد للمسؤولية المعرفية؛ يقوم على استنهاض المواهب ودعمها، ويتضح ذلك من خلال عدد كبير من البرامج الثقافية التي تدعمها الدار ومن أهمّها برنامج دعم الرسائل الجامعية، وبرنامج المؤلفين الصغار الذي يستهدف القدرات الكتابية لدى الأطفال حيث تعمل الدار على تحريرها ورسمها وإخراجها وطباعتها وقد دشّنت في معرض الكتاب أول ثمار هذا البرنامج بقصص حققت أعلى المبيعات حتى الآن بالمعرض وأشاد بها الجميع والدار تمضي إلى اكتشاف مواهب أخرى لترفد عمان بكُتّاب وكاتبات في المستقبل يعملون على تحقيق نهضة علميّة وأدبيّة، ويوجد أيضًا برنامج دعم المواهب الأدبية الشابة حيث دشّنت الدار أول إصدارات البرنامج، وهو كتاب "نون" الذي تضمن ثمانين نصُا لشباب من عمان والخليج، وفي سبيل تحفيز النّاس على القراءة أسست الدار برنامجا للتحفيز المعرفي عبر شبكات التواصل المختلفة يقوم على رسائل معرفيّة يقدمها الأدباء والكتاب والمفكرون من عمان وخارجها، حيث تمّ نشر أكثر من ألف بطاقة حتى الآن بشكل يومي، علاوة على إرشادات لأولياء الأمور لتحفيز أطفالهم على القراءة، ومع دار الوراق لأول مرة سيكون الكتاب العماني منتشرًا داخل الحدود حيث يوجد الآن في اثنتي عشرة ولاية عمانية ومع نهاية العام سيكون في جميع الولايات العمانية وكذلك خارج الحدود من خلال المضي في التسويق الإلكتروني.
لقد كانت الدار حتى الآن بإصداراتها ومبادراتها الثقافية الكبيرة المُخصصة لمعرض مسقط الدولي للكتاب الأكثر حضورًا، لأنّ القائمين عليها أرادوا أن يمضوا للمعرض بفكر جديد، فكر يجعل المشاركة فتحا لآفاق ثقافية تفتح الفرص أمام الفاعلين في حقل الثقافة والقراء من أجل تحفيز الحوار، والبدء في البحث عن المعنى الذي تتضمنه الكتب التي تُنشر، كما تبنّت الدار إصدار مجلة إلكترونية تتلاءم مع الحدث الثقافي الكبير وهي مجلة "دفاف" والتي تركت انطباعا كبيرا في الأوساط الثقافية.
لا شك أنّ الدار هي دار لكل العمانيين من كافة الأطياف.. تعمل بخطى مؤمنة أنّ الإرادة هي أهم رأس مال للنجاح.. وأنّ الثقافة ليست حكرًا على الصفوة.. هي حق للجميع بمختلف مستوياتهم وأعمارهم.. والدار لم تقل بعد كل ما لديها.. وتعمل بعد مضي عام على التفكير في كل ما عملته من أجل تحقيق انطلاقة كبرى تؤمّن فرص الحق في المعرفة.