عامل النظافة.. عنصر بشري فاعل

 

راشد البلوشي

عند كل صباح من صباحات الله سبحانه وتعالى، أخرج للبحث عن قوت يومي، لم تشدني الحركة المرورية، وكثرة المركبات المتَّجهة عبر الشوارع المزدحمة، ولا تلك البنايات الشاهقة في المعبيلة الجنوبية التي غيَّرت من معالم المدينة والتي زاحمت المخططات السكنية، ولا المحلات التجارية المحاذية، بعضها على جانبي الشوارع، ولا المنطقة الصناعية التي تعج بالمخلفات المتناثرة يمينا وشمالا من صنع البشر، وقس على ذلك كل بقعة من بقاع عماننا الحبيبة.

ما يشدني هو عامل النظافة، ذاك العنصر البشري المهم والفاعل في بلادنا، فلو لم يكن هذا الكادر البشري (الوافد) يقوم بعملية إزالة المخلفات والفضلات التي يخلفها مرتادي تلك المساحات كل صباح ومساء، فلكم مساحة من الخيال، كيف ستكون شوارعنا ومدننا ومناطقنا الصناعية والسياحية من جراء ما يقوم به من تصرفات غير مسؤولة.

فالمشهد الذي أمرُّ عليه كل يوم، بدءًا من قرية الخوض وحتى آخر دوار بصناعية المعبيلة، مُتَّجها إلى طريق مسقط السريع على ما خلفته يد بعض هؤلاء، بعد السهرة الليلية على جانب الشارع، يقشعر منه البدن، وتشمئز منه النفس، ويتعب منه القلب، وتكاد العين تذرف دموعا على حال عامل نظافة وهو يجمع تلك القمامة، وكأنه في حالة ركوع وسجود بشكل يوميا، يتناول المخلفات بيده تارة، وبالعصى تارة أخرى، مما تركه بعض من هانت عليهم أنفسهم بجعل المكان متسخا، تاركين ما تبقى من فضلات في مكانها، عجزوا عن وضعها في السلة المحاذية للشارع، ولم يعطوا للأمر بالاً، وكأن المحافظة على المكان لا تعنيهم وليست من اختصاصهم، وأنَّ السُّنة النبوية لم تمر عليهم في منهجهم الدراسي بأن "النظافة من الإيمان، وإماطة الاذى عن الطريق صدقة".

فماذا، لو غادرت هذه الفئة من العمالة البلاد، وتركت وظيفة "عامل النظافة" لنا؟ فماذا نحن فاعلون؟ هل سنحل محلهم؟ ونقبل رواتبهم التي لا نعرف في حقيقة الأمر مقدارها، وما إذا كانت تكفي لمتطلبات حياتهم اليومية هنا، وفي بلدانهم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها نطرحها أولا على أنفسنا كمواطنين معنيين بالأمر، والمقيمين، بالمحافظة على بلدنا الغالي، ومسؤولين بجعل المكان نظيفا.

فمعدل ما تصرفه الجهات المختصَّة من توفير أكياس قمامة لمساحة بسيطة، تكاد تصل إلى أكثر من 60 كيسا في اليوم، وفق حسبتي المتواضعة والسريعة. ناهيك عن زيادة نسبة العمالة لتغطية بقية المواقع؛ مما يرهق ميزانيتها، والآثار الاجتماعية الأخرى على المجتمع.

المشهد يتكرَّر في كل شوارعنا ومناطقنا السياحية والأماكن العامة، بشكل غريب وعجيب، فلماذا نجعل من شوارعنا تتكدس فيها النفايات وتنتج عنه روائح كريهة، حتى الطيور والحشرات لا تقبل تلك المخلفات والنفايات أن تكون وجبتها اليومية، كما أنَّ الأرض تكاد ترفضها، ونتكل على عامل النظافة بإزالتها، ذلك المسكين يفعل كل شيء، رغم قلة راتبه، يقوم من الصباح الباكر بجمع مخلفات المستهترين، العابثين من المواطنين والمقيمين، وكأنَّ لسان حاله يقول: "من يقتلك لا حاجة به إلى أن يجعلك تتألم".. حفظ الله عُمان وقائدها المفدَّى.

Almeen2009@hotmail.com