القيادات العُمانية والمناصب الوظيفية العُليا

 

مُحمَّد رضا اللواتي

الآن، وبعد مُرور 46 عاما من النهضة المباركة، لا بد من الاعتراف بحقيقتين لا تقبلان الشك؛ الأولى: وجود العُمانيين ذوي الكفاءات العالية جدًّا والخبرات المتراكمة وفي شتى الحقول في السوق العُماني، والأخرى: عدم وُجود مُبرِّر منطقي، إطلاقاً، لشغل كَمْ هائل من الأجانب مواقعَ يستطيع العُماني أن يكون فيها.

ولنتحدَّث قليلاً عن المنظومة المصرفية والتمويل في سوقنا المحلي؛ فرغم نسب التعمين العالية، ووجود العُماني في المناصب العُليا، إلا أنَّنا لو أجرينا مقارنة بين النسب التي يشغلها الأجنبي والهندي تحديدا بنسب وجود العُماني فيها، لوجدناها ضئيلة للغاية، إلى درجة أن مصرفا مرموقا جدا ورائدا، نجد أن الأجانب يشغلون فيه مناصب مديري عموم الأعمال المصرفية، ومناصب إدارة المخاطر والخدمات المؤسسية، ومناصب نوَّاب مديري عموم الأعمال المصرفية، والجودة والالتزام، والأعمال المصرفية الحكومية، والخزينة، وأسواق المال، والأعمال المصرفية الدولية، والتمويل، حتى الأعمال المصرفية الاسلامية!

كلُّ هذه المناصب يشغلها أجانب! والنسبة الساحقة للهندي تحديدا!

ولَيْت الأمر تبرِّره الشهادة الأكاديمية لهذا الأجنبي أو خبراته، أو الراتب المتواضع الذي قبل به حين شغل الوظيفة، أو العقد المحدَّد بمدة قصيرة لا يقبل الازدياد، كلا على الإطلاق! فالراتب هائل، والخبرة والدرجة الأكاديمية ينافسه العُماني فيهما معا، إنْ لم يكن يفوقه، والمدة التي قضاها في منصبه تفوق أحيانا سنوات عِدَّة! بعض أولئك يشغلون مناصبهم الرفيعة لسنوات تترواح بين 10 إلى 15 عاما، وكأن أمهات العُمانيين عَقِمن عن أن ينجبن من يستطيع أن يشغل مناصبهم تلك!

أيًّا ما كانت الأسباب التي دَعَت الجهات المختصة للبدء في التعمين من أسفل الهرم الوظيفي، ولكن: هل ثمة ما يُبرِّر ذلك اليوم؟ وهل من مُبرِّر لغياب الخطة الوطنية الجادة جدًّا حول إحلال العُماني المؤهَّل في الموقع الوظيفي المناسب؟ وإن كانت، فهلا تم كشفها للإعلام المحلي؟

لا تَبْدُو بَوَارِق أمل في الأفق القريب تُشير إلى أنَّ شركات التمويل والمصارف المحلية بصدد تغيير وجهات نظرها في ضمِّ الأجنبي على حساب العُماني المؤهَّل، في ظل ما أسميناه بالخُطة الوطنية لإحلال العُماني المؤهَّل في المناصب العُليا للهرم الوظيفي في قطاع المصارف والتمويل.

ولنتأمَّل حال سوق التأمين، والذي يكاد يتفق معي كل من له دراية بأسراره، أنه واقع في قبضة اللوبي (....) بشكل لافت جداًّ. فمن المناصب العُليا الرفيعة إلى الأدنى قليلا، بالكاد نعثر على عُماني، والذي تم توظيفه في الواجهة الأمامية فحسب والتحصيل، وما في درجتها من وظائف.

لا شكَّ أنَّ الجَهْد الذي تبذله الهيئة العامة لسوق المال في تأهيل الكادر الوطني لا يمكن إنكارها، ولكن هل توجد خطة وإستراتيجية واضحة تستطيع رفد سوق التأمين المهم بالعُماني المؤهَّل، وإحلاله محل الأجنبي خلال فترة زمنية محددة، وفق معايير وأسس واضحة؟ لَيْت الاعلام المحلي يحصل على فرصة الاطلاع عليها.

إنَّ وُجُوْد العُماني المؤهَّل في أعلى الهرم الوظيفي في المنظومة المالية والمصرفية وسوق التأمين المحلي، معناه تحقُّق الشرط الاقتصادي الحقيقي للأسرة العُمانية، فالتعليم الأجود سيكون متاحا، كما أن ظهر العُماني -وهذه مسألة مهمَّة للغاية- سيكون محميًّا من جانب ترشيحه للتدريب والتأهيل وإعداده لشغل مناصب أرْفَع، وِفْق خطة المسار الوظيفي الوطنية -حاليا لستُ على علم بوجودها، إنْ كانت- من مُنطلق القاعدة التي تقول: "الأرض إن كانت لأصحابها، فهم أولى بخيراتها".